مألات ربيع المشرق والمغرب اليمن وتونس نموذجاً

2014/10/30 الساعة 02:16 صباحاً

 

 

يتحسر اليمنيون لواقعهم المرير بعد نجاح الانتخابات في تونس ، وفي الوقت الذي يهنئون ويغبطون لاخوانهم في هذا البلد الشقيق الذي انطلق منه شرارة الربيع العربي وموطن الشاعر ابو القاسم الشابي صاحب القصيدة الشهيرة ( اذا الشعب يوما أراد الحياة     فلا بد ان يستجيب القدر) الا انهم بداهة قد اصيبوا بخيبة امل متلاحقة منذ احتواء ثورة فبراير 2011م من قبل الإسلام السياسي آنذاك وبعض الجنرالات من اعوان الرئيس السابق ، لقد قدر لليمنيون  و على مدى أكثر من خمسة عقود ان تتوالى عليهم المصائب والمحن من حروب وتشطير وتأمر داخلي وخارجي وتصدق على بلد الايمان والحكمة (لعنة الزمان وعبقرية المكان) وهو عنوان مقالة لكاتب هذه السطور نشرت في صحف عربية ويمنية  ، هل قدر للربيع العربي أن يلقى حتفه بصورة درامية وكأن محاولة تلك الشعوب في التغيير جراء الاستبداد وشظف العيش هو أن يكون البديل اما العودة للاستبداد او الحروب الأهلية والصراعات المذهبية والاستقطاب الإقليمي والدولي ، فالحال من بعضه كما يقولون سوى في سوريا وليبيا ومصر والعراق كلها شعوب تأن تحت وطأت الإرهاب والأنظمة الفاشلة فلم تعد كل امة تلعن سابقتها بل تثني على مناقبها فالحال من سئ الى أسوأ .

لم يسلم من عاصفة الربيع العربي سواء تونس واعتقد ليس ذلك فقط لأنها انطلاقة الربيع العربي بل ولان الشعب في تونس وبالنظر للموروث التاريخي والحضاري والموقع الجغرافي فقد تأثرت النخُب السياسية فيها بالقيم الغربية والرؤية (العلمانية) والتي تظل هذه القيم في بعض بلدان المشرق العربي كفر وزندقة ، ففي جمهوريات العسكر العربية لم نشهد سوى سلسلة من الانقلابات وهوس السلطة وإقصاء الآخر ترافق ذلك بنمو الأفكار والروي الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي وقد كان لبعض قيادات تلك الدول دورا في تفكيك البنية الاجتماعية وعدم تجانس تلك المجتمعات بسياسة فرق تسد كما حدث في اليمن .

الإسلاميون في تونس وبلدان المغرب العربي ليس فقط لان تلك المجتمعات متجانسة مذهبيا فبلدان شمال إفريقيا المغربية تعتنق المذهب المالكي ، ولم يبتلوا بالتعدد المذهبي كما هو في بلدان المشرق ولهذا فحتى الإسلام السياسي لديهم أكثر عقلانية ويكاد الخلاف والصراع يتمحور بين أصحاب الاتجاه العلماني والإسلاميين ، وهؤلاء الإسلاميين سوى النهضة في تونس برئاسة الغنوشي ، او حزب العدالة والتنمية في المغرب برئاسة بن كيران ، لها برامج ورؤية عصرية وتتمازج رؤاهم بين التراث والأصالة الإسلامية مع المعاصرة لان تلك النخب في غالبها تنوعت ثقافتها ومشاربها العلمية العربية والأوروبية وهو الأمر نفسه لكل الأحزاب والمكونات السياسية وحتى في الجزائر وموروتانيا ، من اليمين الى اليسار متأثرة بالفكر الغربي والقيم الغربية في الديمقراطية والليبرالية ، وفيها نضوج سياسي ملحوظ ، ويحمد للنخب في الجزائر بأنها لم تنجرف وراء أوهام الربيع العربي لانها لاشك تابعت ما جرى ويجري في تلك البلدان التي عصفت بها محاولات التغيير   وهاهي تونس ولجت للجمهورية الثانية ، ونحن في اليمن لم نشهد حتى الجمهورية الأولى ، منذ أكثر من خمسة عقود مضت ، فثورة سبتمبر 1962م استمرت عملية انقلاب السلطة ثمان سنوات عجاف بينما في بلدان عربية تحولت للجمهورية في عشية وضحاها !

ورغم ذلك لم نشهد الجمهورية الحقيقية ، طيلة نصف قرن ، واستهلت التسعينات بتحولات دولية ساعدت في إمكانية وحدة اليمن ، وكان المؤمل ان يستغل اليمنيون تلك الظروف الدولية وانتهاء الحرب الباردة ، ولكن مثلما استولى الانتهازيون على ثورة فبراير ، فقد استغل ساسة اليمن المهووسون بالسلطة على وحدة مايو1990م فوسائلها وأدواتها بيد ساسة فاشلين لازمتهم عقدة الإقصاء وشيطنة الآخر والاستحواذ بالسلطة ومن ثم دغدغتهم أحلام التوريث ، وكانت المؤسسة العسكرية قبل انشقاق الجنرال العجوز (سارق الثورة) على وفاق مع زعيم الفساد ، وكذا القبيلة والإسلام السياسي كلهم متحالفين مع رأس السلطة فتفككت بتداخل المصالح ومداهمة أحداث الربيع العربي  ، فركبوا موجة الثورة وسرقوا ثورة الشعب وآماله في التغيير ، ومررت النخُب السياسية اليمنية وعلى رأسها ( أحزاب المشترك) المبادرة الخليجية سيئة الصيت والتي لم تثّمر بدليل أوضاعنا اليوم ، لم يستفيد منها سوى الفاسدون وعائلة صالح ومن شملتهم الحصانة ، لقد منح حصانة ممن لا يمك الى من لا يستحق ، والنتيجة بقاء الزعيم في قيادة ( المؤتمر ) وكأنه الحزب الذي صنع المعجزات ، ومن غرائب ساسة اليمن هي عدم الثبات على مبادئ فالمصالح الضيقة تسيرهم فحلفاء الأمس غدوا أعداء اليوم والعكس صحيح أعداء الأمس حلفاء اليوم ، وكلهم تحركهم الانتقام الشخصي والأحقاد الشخصية والمصالح الشخصية الضيقة ، تخلص اليمنيون من عناصر فاسدة الشهر الماضي وكانت ولادة قيصرية اتت بمليشيا مسلحة بمظاهرات مسلحة متذرعة بالجرعة ، والتي غدت من الماضي ، ولم يعد الشعب المغلوب على أمره يسمع إلا فتوحات وحروب متواصلة ، والحرب الجارية في أكثر من مكان في اليمن هي بين كر وفر ، وليست النتائج اليومية هي التي تحدد مستقبل هذا الطرف او ذاك ، ولن توضح الأشياء وندرك مألاتها إلا بعد حين .

الم يتفق اليمنيون وعلى مدى عشرة أشهر على أطول حوار حضاري في تاريخ اليمن وبمساعدة ودعم دولي كبير ، ولكن أحداث سبتمبر والفتح المبين لبيضة الإسلام عاصمة اليمن التعيس بحكامه خلطت الأوراق وأعدت اليمنيون إلى المربع الأول ، فالطريقة لإسقاط الدولة المتهالكة أصلا لا تتناغم مع تطلعات اليمنيون ومتطلبات ديمقراطية القرن الواحد والعشرين لقد وصلوا للسلطة عبر فوهة البندقية واستغلال هشاشة الدولة واختلاف أركانها فلولا دعم ( الدولة العميقة ) لما تحركوا شبرا واحدا ، وأجمالا وفي هذا السياق فواقع الحال لا يدعوا فقط على التباكي ولعن الظلام ، بل على النخُب الثقافية والساسة تحديداً ان يغلبوا مصلحة اليمن ويدركون بأنهم مجرد بيادق في رقعة الشطرنج ،  ويتوافقون على كلمة سواء لإخراج اليمن من هذه المحنة