تابع اليمنيون بقلق وامتعاض، معالم الطريق الإجبارية التي يراد لهم أن ينعطفوا إليها، بغية خروج قوى الانقلاب في اليمن بأقل الخسائر، هذه الطريق تسمى "مؤتمر جنيف" 28 من مايو الحالي.
وغنيٌّ عن التأكيد أن لا اعتراض على أية دعوات أممية للحوار في جنيف أو غيرها، ولكن مثار الغرابة أن تأتي هذه الدعوات قبل أن يتم التقدم ولو خطوة واحدة، في تنفيذ قرارات أممية صارمة بخصوص اليمن آخرها القرار 2216 الذي لم يجف حبره بعد. كما أنها جاءت بعد مؤتمر لم يجف حبره هو الآخر، هو مؤتمر الرياض الذي عقد في العاصمة السعودية اليومين الماضيين، وأقر مخرجات سبق وأن أقرتها أغلب الأطراف اليمنية مطلع العام 2014 بما في ذلك قوى الانقلاب، ومازالت تلك المخرجات تحظى بمباركة دولية معلنة إلى اليوم، وبالتالي فما الداعي إذن لمؤتمر آخر في جنيف!
ولليمنيين تجربة طويلة وغير مشجعة مع مارثونات الحوار التي أصبحت أشبه بالمسلسلات المكسيكية المملة، وهي تجربة تجعل من أي حوار من دون تغيير المعادلة الشائهة هو مجرد تكريس للتشوّه وإضفاء شرعية عليه، وهو ما يمدد معاناة اليمنيين التي باتت تفوق الوصف.
يبدو أن إدارة أوباما تريد أن يكون اليمن مادة المقايضة بينها وبين إيران حتى يتسنى له تسجيل إنجاز متمثل في توقيع اتفاق حول النووي الإيراني قبل انتهاء ولايته الثانية ومغادرة البيت الأبيض، ويراد أن يكون حاضر اليمن ومستقبله كبش فداء لهذا الاتفاق، دون مراعاة لحجم التضحيات التي قدمها الشعب اليمني في سبيل الانفلات من قبضة الانقلاب الكهنوتي العنصري الدموي الذي لم يتوقف حتى الان في ارتكاب مجازر وجرائم حرب موثقة بشكل يومي في أكثر من مكان باليمن، بل وقف عائقاً أمام كافة جهود الاغاثة الإنسانية التي حاولت مد يد العون لهذا الشعب المنكوب.
ورغم كل المؤشرات السلبية التي رافقت الدعوة لحوار جنيف فإن الشعب اليمني لايزال يأمل أن يكون المجتمع الدولي شريكا صادقا لدول الخليج في إنقاذ اليمن بعد أن قطع التحالف العربي شوطا في كسر الشوكة العسكرية لقوى الانقلاب، لكن إتاحة الطاولات لممثلي الحوثي وصالح في جنيف قبل تنفيذ القرار الأممي 2216، من شأنه أن يشجعهم على المزيد من المكابرة والعناد وإزهاق المزيد من الأرواح ومضاعفة معاناة الناس والتي بلغت حداً غير مسبوق.
وأيّاً كانت حسابات الداعين لهذا المؤتمر في هذا التوقيت المشبوه، وأياً كانت العوائق والعراقيل، فإن معركة اليمنيين مع أذرع إيران، ستستمر إلى أن تنتصر إرادة الشعب التائق للحياة الكريمة.
لا مستقبل لإيران في اليمن، ولن تكون محطة جنيف سوى عيار طائش، ويجدر التأكيد هنا لكل القوى الخيرة في العالم، أن اليمن وجيرانه لا يريدون سوى حفظ أمنهم الذي يعد صمام أمان للعالم أجمع، لأن السماح لإيران بالتمادي بالعبث في هذه البقعة الحساسة من العالم معناه أن العالم يقامر بأمنه وليس بأمن اليمن والخليج فحسب.