د.عبده البحش
اتسمت العلاقات العربية الإيرانية عبر التاريخ بالتوتر والصراع في معظم الأحيان، وذلك يعود الى التباين الواضح بين العرب والإيرانيين من حيث اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والانتماء العرقي، إضافة الى المشكلات الحدودية والنزاع على بعض المناطق التي يدعي كل طرف احقيته بها، ومن الأمور التي تزيد حدة الخلاف والتوتر والعداوة بين العرب والإيرانيين هو الخلاف العقائدي، حيث العرب يعتنقون الإسلام السني بأغلبية كبيرة، بينما الإيرانيون يعتنقون الإسلام الشيعي بغالبية كبيرة، ففي العصر الحديث احتلت إيران امارة الاحواز العربية عام 1925م، واحتلت الجزر الإماراتية الثلاث عام 1971م، وباتت تتدخل في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين والسعودية.
ومع سقوط نظام الشاه في إيران ونجاح الثورة الإسلامية الشيعية بقيادة الخميني عام 1979م، دخلت العلاقات العربية الإيرانية مرحلة جديدة من التوتر السياسي، بسبب سياسة تصدير الثورة الإيرانية الى الدول العربية عن طريق استغلال الأقليات الشيعية العربية، وتحريكهم ضد حكوماتهم، وضد مصالح بلدانهم، بل واستخدامهم أوراقا سياسية لتحقيق الاطماع الإيرانية المتمثلة بالتوسع والتمدد وبسط النفوذ على حساب الدول العربية، وتحت شعارات دينية طائفية، تجعل من الشيعة العرب وقودا لسياسة تصدير الثورة الإيرانية، والتي تعني فرض الهيمنة الإيرانية على الدول العربية وجعلها دول تابعة لطهران، التي تتباها اليوم انها تسيطر على اربع عواصم عربية هي بيروت، وبغداد، ودمشق، وصنعاء.
ان علاقة الحركة الحوثية مع إيران تندرج ضمن سياسة إيران الجديدة القائمة على تصدير الثورة، وهذا يعني ان جذور العلاقة مع إيران تعود الى ما بعد عام 1979م، تاريخ نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث تذكر بعض الدراسات ان مدينة صعدة شهدت مظاهرات مؤيدة للثورة الإيرانية وقائدها الخميني بعد عام 1979م مباشرة لكن الحكومة اخمدت تلك المظاهرات آنذاك، ويذكر ان الزيود في صعدة ينظرون الى الثورة الخمينية على انها هبة سماوية لإنقاذ الكرامة الإسلامية في العالم، وتشير المصادر الى ان اول تحرك منظم ومدروس بدأ عام 1982م، على يد الفقيه الزيدي صلاح احمد فليته، الذي أسس في عام 1986م، اتحاد الشباب المؤمن، وكان محمد بدر الدين الحوثي يدرس الشباب مادة عن الثورة الإسلامية الإيرانية ومبادئها، واكد وزير الداخلية اليمني رشاد العليمي امام البرلمان ان الحركة الحوثية بدأت نشاطها منذ عام 1982م، وان خلايا تشكلت بين عامي 1983م و 1984م بدعم ايراني، وقامت بتنفيذ اعمال إرهابية في صنعاء وصعدة آنذاك.
ومع قدوم عام 1990م، تسارعت الاحداث في منطقة الشرق الأوسط، وبما يصب في مصلحة الحركة الحوثية، حيث توقفت الحرب العراقية الإيرانية، وتلاشى موقف الحكومة اليمنية المعادي لإيران، ومات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية المتشدد الخميني عام 1989م، وهو ما أدى الى تغيير في السياسة الايرانية تجاه العالم العربي والإسلامي تعتمد على الأسلوب الناعم لتصدير الثورة بدلا من الأسلوب العنيف، واستفادت الحركة الحوثية من قيام الوحدة اليمنية والسماح بتأسيس الأحزاب السياسية، اذ استغل ناشطوا الزيدية مناخ الحرية للتقارب مع ايران وبناء مشروعهم السياسي، حيث تم تأسيس حزبين شيعيين هما حزب الحق واتحاد القوى الشعبية، كما تم تأسيس اتحاد الشباب المؤمن ذو التوجهات الشيعية بقيادة الأستاذ محمد سالم عزان وبدعم واسناد إيراني.
وتتضح عمق العلاقة الإيرانية مع الحركة الحوثية من خلال محاضرات مؤسس الحركة الحوثية في اليمن حسين بدر الدين الحوثي، الذي يمتدح إيران وحزب الله ويضرب بهما المثل الأعلى في سياق مقارنته بين مراتب العزة والهوان، وفي سياق متصل اعتبر الحوثي الحج في مكة فرصة لكي يبث الإيرانيون معاني العزة والكرامة الى عموم الامة الإسلامية عبر الحجاج، وهو ما يجعل موسم الحج مناسبة لتهديد الإسرائيليين والامريكيين، وهذه النغمة الحوثية توحي بأن هناك مخططا إيرانيا حوثيا خفيا يهدف الى السيطرة على مكة والمدينة، كون الإيرانيون والحوثيون يعتقدون بأن مكة والمدينة مراكز دينية مقدسة تخص جدهم النبي محمد ولا تعني ال سعود من قريب او بعيد، لذا يرى الإيرانيون والحوثيون انهم احق بإدارة هذه الأماكن المقدسة من ال سعود، ويعبر الحوثي عن تبعيته لإيران من خلال جزمه ان الحكومات التي دعاء عليها الخميني ستسقط، وهي الحكومات التي شاركت مع العراق في حربه ضد ايران من عام 1980م الى عام 1988م، فالحوثي يؤمن بان الخميني امام عادل لا يرد له دعاء.
باحث وكاتب
[email protected]