د. عبده البحش
وعلى الصعيد العملي تتضح ملامح العلاقة الإيرانية الحوثية من خلال ما تذكره بعض المصادر من ان مواد التعبئة المعنوية الحوثية من انتاج إيراني وتحوي أفلاما عن الحرب العراقية الإيرانية وافلاما عن مقتل الحسين في كربلاء، وافلاما عن عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي، ويساعد الحوثي في إدارة التوجيه المعنوي طاقم من الشيعة اللبنانيين والعراقيين، وافرادا من الحرس الثوري الإيراني، وتشير المصادر الى ان المناورات والتدريبات التي كان الحوثي يجريها من فترة الى أخرى، كانت تتم بإشراف مدربين وخبراء من الحرس الثوري الإيراني. وتتضح جذور العلاقة المتينة بين الإيرانيين والحوثيين من خلال الزيارة السرية المبكرة، التي قام بها حسين بدر الدين الى إيران عام 1986م، اذ يصف عبد الرحيم الحمران أجواء تلك الزيارة بانها كانت صعبة ومضنية، ويصف الحوثي بانه كان ثوريا من الطراز الأول، وقد أجهد نفسه كثيرا، اذ مكث في سوريا أكثر من شهر حتى استطاع الدخول الى إيران، وبقي فيها 18 يوما، التقى خلالها شخصيات دينية شيعية عراقية وايرانية، وكان يفكر في الانخراط في فيلق بدر الذي كان قيد التأسيس للدفاع عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية انذاك، وزار حسين بدر الدين الحوثي العتبات المقدسة في العراق عام 1990م. (عبد الرحيم الحمران: 2015م). ومما يؤكد تطور العلاقة الحوثية الإيرانية لجوء بدر الدين الحوثي وابنه حسين الى إيران عام 1994م، خوفا من أي ردة فعل غاضبة تقوم بها الحكومة اليمنية ضدهما، بسبب تأييدهما للحزب الاشتراكي اليمني في حرب صيف عام 1994م، وقد اقاما هناك عاما كاملا وحظيا برعاية وحفاوة من النظام الإيراني، الذي تربطه بالحوثيين علاقات عقائدية شيعية طائفية، وعلاقات عرقية تتمثل بالانتماء الى العائلة الهاشمية.
تسعى إيران الى تحقيق اهداف سياستها الخارجية القائمة على أساس ديني، وذلك بالعمل على نشر الاسلام الشيعي وفق النموذج، الذي بلوره الخميني والمتمثل بولاية الفقيه، والذي يعتمد على توسيع الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية ومنحها دور أكبر في نشر القوة الناعمة لجمهورية إيران الإسلامية، لذا سعت إيران ومن خلال الحوثيين في اليمن الى استقطاب العديد من الطلاب، للدراسة في الجامعات الإيرانية وفي الحوزة العلمية، من اجل استخدامهم كسفراء لنشر رسالة إيران الدينية والثورية والإعلامية والثقافية والسياسية، وفي هذا الصدد قدمت ايران ومن خلال الحوثيين العديد من المنح الدراسية للطلاب اليمنيين، وشجعت ايران البعثات العلمية والزيارات الاكاديمية وتسهيل كل ما يتعلق بذلك، كما نظمت ايران ومن خلال الحوثيين زيارات تثقيفية للعديد من الصحفيين والكتاب والمثقفين والمحامين والناشطين السياسيين والحقوقيين، ودعمت ايران الحوثيين على إقامة الندوات العلمية، والأنشطة الثقافية، وانشاء المراكز والمكتبات العامة، وانشاء الجمعيات المتنوعة ذات النشاطات الاجتماعية والثقافية والسياسية، واحياء الاحتفالات الشيعية مثل عيد الغدير وذكرى عاشوراء وذكرى يوم القدس العالمي وغيرها من المناسبات الشيعية الإيرانية.
وفي إطار الدعم الإعلامي الذي تقدمه إيران للحوثيين، قامت طهران ومن خلال التعاون مع حزب الله اللبناني بإنشاء وتمويل عدد من القنوات الفضائية التليفزيونية، التي تتخذ من الضاحية الجنوبية في بيروت مقر لها، تحت رعاية وحماية حزب الله اللبناني الموالي لإيران، ومن هذه القنوات، قناة المسيرة التابعة للحوثيين، وقناة الساحات، وقناة الميادين، وقد استطاعت ايران بالتعاون مع الحوثيين استقطاب كوادر إعلامية يمنية بارزة من مختلف المحافظات اليمنية لمساندة مخططها الرامي الى السيطرة على اليمن وجعله ضمن مناطق النفوذ الإيراني، اذ تشير تقارير الى ان ايران استقدمت (1300) اعلامي يمني تم تدريبهم في عدة دول مثل لبنان والعراق وايران، ولكن حزب الله اللبناني اخذ نصيب الأسد في هذه المهمة، فهوى من تولى تدريب معظم العناصر الإعلامية الحوثية، حيث كان يتم نقلهم من صنعاء الى بيروت واخضاعهم لدورات تدريبية في مجال العمل الإعلامي ومن ثم اعادتهم الى اليمن للعمل في الميدان كمراسلين ومصورين ومحرري اخبار وتقارير صحفية وكذلك العمل في مجالات التقنيات والبرمجيات المتخصصة بالبث عبر الأقمار الاصطناعية والإخراج والتقديم في القنوات الفضائية والاذاعات، وفي مجال الاعلام المكتوب، والورقي والالكتروني وغير ذلك، ويذكر ان مؤسسة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله سخرت كوادرها لتدريب الإعلاميين الحوثيين واشرفت على انشاء الوسائل الإعلامية التابعة للحوثيين، وهذا يكشف حجم التعاون الكبير بين الحوثيين والإيرانيين وحزب الله اللبناني، ومن بين القنوات الأخرى التي تدعم الحوثيين، قناة المنار وعدن لايف، والأنوار الأولى، والمعارف، وفورتين، والفرات، وبلادي، والغدير، والأوحد، والعهد، والمسار الأولى، والكوت، والعالم، وطه، وبرس تي في، والدعاء، والوحدة، والمهدي، والصراط، وكربلاء، والسلام، وقناة النجف، والوطن للجميع، والحجة، والكوثر، ونحن، والإمام الحسين، والنعيم، والزهراء، والثقلين، والإمام الرضا، والولاية.
* باحث وكاتب يمني
[٢٣/٤ ٢:٤٤ م] عبده البحش: د. عبده البحش
الحوثيون وإيران خيوط المؤامرة على العرب-3
يستمر الدعم الإيراني للحركة الحوثية في اليمن ضمن التوجه المعلن والهادف الى تعزيز دور إيران الإقليمي من خلال دعم الأقليات الشيعية في منطقة الخليج واليمن والعراق وبلاد الشام، ويتضح الدور الإيراني بشكل اكبر من خلال العلاقة الوثيقة بين ايران والحركة الحوثية، اذ تتحدث تقارير عن الدعم العسكري والمادي واللوجستي الإيراني للحركة الحوثية، ففي حروب التمرد الستة التي خاضتها الحركة ضد الحكومة اليمنية، قدمت ايران كل اشكال الدعم من المال والسلاح وشراء ذمم بعض القادة العسكريين في النظام السابق، وكذلك شراء ذمم بعض المشايخ لضمان ولائهم للحوثيين، وغيرها من الصفقات السرية التي ابرمتها ايران مع اطراف إقليمية ودولية وجهات محلية بهدف مساعدة ودعم الحركة الحوثية وايصالها الى سدة الحكم في الجمهورية اليمنية.
وفي مجال الدعم العسكري والتدريب الإيراني للحركة الحوثية، نذكر اهم المعلومات التي وردت من أحد القيادات الميدانية الحوثية وهو الشيخ عبد الله المحدون، حيث افاد ان مدربين محليين تدربوا في لبنان وإيران كانوا يجمعون قطع الصواريخ ويركبونها ويصنعون الألغام، وأعرب القيادي ان خبراء ومدربين خارجيين من حزب الله الشيعي اللبناني، ومن فيلق القدس الإيراني كانوا يشرفون على الكوادر المحلية اليمنية، وأفاد المحدون ان هناك مراكز سرية عديدة لتصنيع السلاح ومراكز سرية للتدريب، واكد ان تلك المراكز مزودة بمكائن ومعدات حديثة تقوم بتصنيع قطع السلاح من اصغر قطعة الى اكبر قطعة، ومن ثم يتم تركيبها وارسالها الى جبهات القتال، واكد المحدون ان دعما كبيرا وصل للحوثيين من السلاح والمال والتموين قبل الحرب الرابعة، وقال القيادي الحوثي ان عبد الملك بدر الدين الحوثي اخبره، ان الحركة سوف تنتصر، وان الشيعة سوف يحكمون العالم، واعترف المحدون بانهم كانوا يستخدمون صواريخ من صنع امريكي حصلوا عليها بالمال الإيراني، واكد المحدون ان لدى الحركة الحوثية عناصر مندسة في الحكومة اليمنية، وعناصر أخرى مندسة في أحزاب المعارضة، واكد القيادي الحوثي ان الحركة كادت في الحرب الثانية والثالثة ان تنتهي لولا الوساطات والهدنات التي كانت تعطيهم الفرصة لإعادة تجميع قواتهم وتنظيم عناصرهم من جديد.
وتعتمد الحركة الحوثية على مصادر متعددة للحصول على السلاح ومنها ما تم شراءه من الاسواق اليمنية، وما حصلت عليه الحركة من جهات يمنية حاقدة على الحكومة، وكذلك الأسلحة التي غنمها الحوثيين من معسكرات الجيش اليمني خلال الحروب الستة خاصة الحرب الرابعة والخامسة والسادسة، وكذلك الأسلحة التي غنمها الحوثيين من الجيش السعودي في الحرب السادسة، لكن الدعم الإيراني يبقى هو الدعم الأبرز والأكثر فاعلية خاصة في المراحل الصعبة، التي مرت بها الحركة، وبرغم ان ايران تحرص على سرية الدعم والعلاقة مع الحوثيين، الا ان فضيحة السفينة الإيرانية المحملة بكافة أنواع الأسلحة كشفت المستور عندما وقعت سفينة جيهان الأولى وسفينة جيهان الثانية في قبضة الحكومة اليمنية، وكشف تقرير سري صادر عن لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة والمختصة بالأزمة اليمنية، ان ايران متورطة في تسليح الحركة الحوثية، ورصد التقرير خمس حالات نقلت فيها سفن إيرانية أسلحة الى اليمن، وذكر التقرير ان السلطات اليمنية ضبطت مركب صيد إيراني في فبراير 2011م، اثناء نقله 900 صاروخ مضاد للدبابات والطائرات قادمة من ايران ومتجه للحوثيين.
ومؤخرا اعترضت القوات البحرية الامريكية في 28 مارس 2016م، شحنة أسلحة إيرانية كانت متجهة الى الحوثيين في اليمن وتمت مصادرتها، وأكدت البحرية الامريكية ان سفينة حربية تابعة للبحرية الأسترالية ضبطت شحنة أخرى من الأسلحة كانت في طريقها الى اليمن عن طريق الصومال في فبراير عام 2016م، وصادرت السلطات الفرنسية شحنة أخرى من الأسلحة كانت في طريقها من إيران الى اليمن في مارس 2016م.
لقد سعت إيران بكل قوة الى الربط بينها وبين الأقليات الشيعية في جميع انحاء العالم بشكل منظم ومدروس، وتركز إيران على الشيعة في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبحت إيران كما يقول المفكر العربي الراحل احمد حسنين هيكل قبلة للشيعة في كل مكان، فشيعة مصر وموريتانيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان، والخليج العربي وتركيا وأفغانستان والهند وباكستان، لهم مرجعية عليا واحدة في طهران، وصورة الخميني في مكاتب هؤلاء جميعا، واليمن واحدة من أبرز هذه البلدان، التي تعاني من جحيم الحرب الطائفية التي يشنها الحوثيين على مختلف الشرائح الاجتماعية اليمنية، اذ تستضيف ايران الشخصيات المتحولة من المذهب الزيدي الى المذهب الاثني عشري، وتقدم لهم الرعاية والحماية والظهور في القنوات الفضائية التليفزيونية الإيرانية الناطقة باللغة العربية.