خمسون عاماً ونيف واليمن يبحث عن هويته، حُكّام سادوا وقضو ، وآخرون أحياء يرزقون يعبثون في الوقت الضائع، بعد أن عاثوا بمقدرات اليمن لعقود، يتنقلون في الآفاق بحثاً عن الماضي الضائع، ويتغنون على مجد مزعوم، ووهم زائِف، ويصدق عليهم القول:
ابكِ مثل النساء ملكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مِثل الرّجِالِ.
والمقولة المشهورة لأُم آخر ملوك الطوائف في الأندلس الذي أضاع ملكاً وسلم مفتاح غرناطة لخصمه الملك فرنارد وزوجته الملكة ايزابيلا!، في حين يتكلم هؤلاء «الزعماء» نيابة عن قطاعات من شعبهم في الشمال او الجنوب، بفرض زعامة مزيفة ليس لجلد الذات بل جلد آمال الأمة في التغيير وجزاء لصبرهم عقودا على حماقتهم وعبثهم في مقدرات وطن بأكمله، فقط إرضاءً للكرسي الذليل، ومن اجله فقد استلهموا افكار ميكافيلي وما يزيد عنها، من براجماتية وديماغوجية مفرطة، استندتّ لمبادئ فرق تسد، وسياسة المراضاة، وتمجيد القبلية والعصبية، وفساد مطلق دون رادع، رغم انهم يدركون بأنه وفي عالمنا الثالث من أتت به ظروف الفوضى وثقافة العسكر لسدة الحكم وخرج منها سالما فإن عودته تعد ضرباً من المستحيل، ناهيك عن أن تجربة المجرب نوع من الحمق!.
وبعد ان هبت رياح الربيع العربي على اليمن دخلت وغيرها من بلدان المنطقة معمعة تداعيات ما عرف بثورات الربيع العربي، لعل أشدها إيلاماً وغموضاً وتعقيداً هو ما يحدث اليوم في بلاد الشام، واختلاط الحابل بالنابل، وتداعيات الضربة الإسرائيلية لهذا البلد والجدل حول ذلك وموقف الجامعة العربية على استحياء.
أما أكثرثورات الربيع العربي جدلا وخلافاً بين أبنائها دون سواها هي القضية اليمنية والتي غدت في عشية وضحاها برعاية ومقدرات غيرها الإقليمي والدولي والذي هو الآخر مثار جدل، فبينما يعتقد البعض بأنه تدخل سافر ابتداء مما يصفونه إملاء مسبقاً على اليمنيين لبعض تفاصيل حياتهم وانتهاءً بالطائرات بدون طيار، ولكن كل ذي بصيرة يميل لرأي سواد الشعب الذي يستند لواقعية عقلانية في الرؤية بأن ارتهان اليمن للغير الاقليمي والدولي يعُد في مقاييس سياسة العصر الواقعية فضيلة سياسة، فلو ترك الأمر لأحفاد قحطان بعد احتقان خمسين عاماً من التقلبات السياسية وسياسة الجهل والتجهيل وثقافة أنصاف الأميين، سيفرز حتماً مخرجات نحن في غنى عنها في مجتمع يتفاخر بحمل السلاح ويعتبره نوعا من مكملات الرجولة ...أمة تمتلك ضعف نفوسها أسلحة فتاكة تباع فيه في بعض نواحيه والى قبل سنوات القنابل الى جانب الرمان والرصاص الى جانب ادوات المطبخ!.
مجتمع يحمل عادات سيئة ابتداء من عادة مضغ القات التي كلفت اليمن أعباء اجتماعية واقتصادية وصحية كُثر الجدل والحديث عنها... مجتمع لازالت عادات الثأر والعصبية القبلية والجهوية هي المسيطرة ليس على عامة الشعب فحسب فهذا شئ طبيعي بل وحتى نُخب من مثقفيه (الأنتلجسيا) ومن يعول الآخرون عليهم تراهم يتسابقون في الو لاءات الحزبية فكُل حزبٍ بِما لديهم فرحون .. في ظل ليبرالية مزيفة ....او المناطقية والسّلالية ونحو ذلك، وهنا تكمن المأساة!.
منذ قرن مضى واليمن يعيش ثنائية مقيته، فكما العراق يعيش منذ قرن مضى ثلاثية الكُرد والعرب والطائفية المذهبية، شمال ووسط وجنوب، انعكست على دستوره في محاصصة الرئاسة الثلاث المكونة من الثلاثي المُسّخ شيعة وسنة وكرد!، فالتقسيم اما قومي او مذهبي! وفي ثنائية اليمن شمال وجنوب، احتلال بريطاني لجنوبه وتركي لشماله، شوافع وزيود، ملكية وجمهورية!، طغيان الحكم المركزي في مواجهات احلام اللامركزية، وأخيرا يعيش نقاشاٌ وحواراً مصيرياً قد يفضي للخروج من الثنائية المصيرية وهى انتهاء حقبة حكم العسكر والولوج للدولة المدنية وسنّ دستور مدروس ومتفق عليه يعكس هموم امة وليس بإيحاء غيرهم كما حدث في دستور «بريمر» العراقي، يُشرع تفاصيل حياتهم المستند لفيدارلية متفق عليها، فمتى يجمع اليمنيون في أغلبهم على نهج واحد يتفق عليه والجواب عندما تكون هناك دولة النظام والقانون... فالعدل اساس الحكم.
ومن هنا يعول سواد اليمنيين على مخرجات الحوار والتي تسير حتى اللحظة سيراً حسناً، وهى بالفعل فرصة ثمينة لا تقدر بثمن وفي حال نجاح الحوار في الاتفاق لمعالجة اهم قضايا أبناء السعيدة المتعددة سيبشر بداهة بإنبلاج الجمهورية الثانية التي تستند للحكم المدني وسيادة القانون لتعيد هيبة الدولة وقوتها وبالتالي سينعكس ذلك بداهةً على كل مخرجاتها، وحينها سيحترمنا الآخرون وسيكون لليمن شأن آخر بل إن الآخرين سيطلبون ودنا، فإصلاح الذات بداية لتقدير الآخرين فكما تكونوا يولّ عليكم!.
وبداهة فإن العبرة ليست بشكل النظام او مفردات وتفاصيل إدارته إنما العبرة بانعكاس نهجه على حياة المواطن البسيط وكرامته، فكم من أنظمة تتلحف الديمقراطية او الشعبية في عناوينها واسمها، وهى في حقيقة الأمر لا تحمل من اسمها شيئا وكم من نظام جمهوري وهو في جلباب ملكية طاغية غير دستورية، وكذلك الأمر بثروات البلد، فرب ثروة صارت نقمة على شعبيها كالعراق والأردن، فالأخيرة تصنف بأنها خامس دولة في العالم فقيرة بالماء وليس فيها قطرة نفط ويعيش وتصنف بأنها ملكية، ولكن شعبها مقارنة بجارتها العراق الذي يسبح فوق بحيرة من النفط! ويعيش سكان الأردن في العقود الأخيرة على الأقل في حال أفضل، وهو الأمر نفسه بين ليبيا وتونس فالأخيرة أفضل حالا اقتصاديا وثقافيا وصحيا وغير ذلك من مفردات الحياة المرفهة.. وعليه فالعبرة ليست لا بشكل النظام ولا بثرواته، انما في اختياره الطريق والنهج المتفق عليه، ورغم ذلك فاليمن غنية بثرواتها وبرجالها وتاريخها وتراثها، ويكفي اليمن فخراً بأن ثورته لو انتهت بتوافق في حواره بأن ضحاياها لا يتجاوزن ما يفقدة ثوار سوريا في يوم واحد!.
فهل ستكون مخرجات الحوار ما يرسخ مقولة الرسول الأعظم بأن الإيمان يمان والحكمة يمانية!