ما
صالح الحكمي
ليست بالمهمة السهلة أن تقرر الحكومة بأكملها تعشم عناء السفر لتحط رحالها في جزيرة سقطرى، المحافظة الثانية والعشرين المعلنة مؤخرا، لتفقد أوضاعها والإطلاع على احتياجاتها في ظل الظروف الإستثنائية التي تعيشها البلاد وشحة إمكانات الدولة منذ الإنقلاب الغاشم وسطو المليشيات على مقدرات البلاد ومواردها واستنزاف الخزينة العامة.
قرار شجاع وجريء اتخذه دولة رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر حينما قرر زيارة سقطرى، لعقد اجتماع تاريخي لمجلس الوزراء فيها هو الأول على الإطلاق ، ولم يسبقه أحد من قبله بل لم يسبق أن أتى وفد حكومي إلى هذه الجزيرة البعيدة بهذا الحجم، حكومة كاملة برئيسها وأعضائها جاءت لتلمس احتياجات سقطرى وتقديم ما يمكن تقديمه.
مع الساعات الأولى لوصول الحكومة إلى مقر إقامتها لم تمنح نفسها دقائق لتأخذ قسطا من الراحة، بل باشر جميعهم في عقد لقاءات موسعة ومستفيضة سواء رئيس الحكومة أو الوزراء، كل يلتقي بالمعنين في مجال اختصاص وزارته لبحث أهم الاحتياجات والمشاريع التي تحتاجها المحافظة والسبل الناجعة لحلها وفق إمكانيات الحكومة المتاحة.
بالرغم من انعدام أهم الخدمات الأساسية وعدم إهتمام الحكومات السابقة بالجزيرة ومشاركة إعصار تشابالا وميج في تدمير البنية التحتية والخدمية البسيطة للجزيرة إلا أن ما أدهشني هو الأمل الذي رأيته مرسوما على محيا جميع السكان، والإبتسامة التي لم تغادر شفاههم، فضلا عن واسع كرمهم ودماثة أخلاقهم والتي من النادر أن تجدها في أي مجتمع تعرض ولو لنصف ما تعرضت له الجزيرة وأبناؤها من الإهمال والدمار والأضرار والتي تسلب ذوي العقول عقولهم وذوي الأحلام صبرهم وحلمهم، لكنها هبة الخالق للجزيرة وأبنائها، الجمال والوداعة واللطافة ورقة الطبع وسعة البال وفوق ذلك كله الصبر.
بعد إطلاع رئيس الوزراء وأعضاء حكومته على أهم الاحتياجات وتدارسها مع قيادة السلطة المحلية وزيارته للمرافق الحكومية والخدمية والمواقع العسكرية والميناء، قرر دولته عقد اجتماع استثنائي تاريخي للنظر في قضايا سقطرى واتخاذ قرارات سريعة بتنفيذ ما تحتاجه من مشاريع ملحة سواء على صعيد الخدمات الأساسية أو في قطاعات الكهرباء والصحة والتعليم والطرقات والبنية التحتية والمشتقات النفطية وغيرها.
"لم نبخل، ولن نبخل على سقطرى، وسنقدم لها ما نستطيع تقديمه اليوم، وستحظى باهتمام خاص مستقبلا" هكذا أعلنها رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر وأيد كلامه أعضاء الحكومة بالإجماع، أثناء مناقشتهم للمشاريع المطروحه على طاولة الإجتماع.
لم يكن اجتماعا عاديا، بل مركزا خرج بحزمة من القرارات والمشاريع التي ستخفف من معاناة أبناء هذه الجزيرة في مختلف المجالات، ففي مجال الكهرباء تم اعتماد 2 ميجاوات إضافية بتكلفة تقدر باثنين مليون دولار، والتي ستعمل على رفع القدرة التشغيلية للكهرباء بنسبة 100%، وستغذيها بالكهرباء 24 ساعة بدلا من 12 ساعة، ولم تكتفي بذلك بل وافقت مبدأيا على دراسة مقدمة لإنشاء شبكة كهرباء جديدة للمحافظة بتكلفة تقديرية تبلغ (348) مليون ريال يمني، بالإضافة إلى رفع كمية احتياج الكهرباء من مادة الديزل إلى 380 ألف لتر شهريا.
أما الطرقات فقد صادقت على مشروع لسفلتة (15) كيلو متر لشوارع حديبو وقلنسية الداخلية، بالإضافة إلى صيانة الطرقات المتضررة من إعصاري تشابالا وميج.
ولم يغفل مجلس الوزراء الجانب الصحي المتدهور في الجزيرة وتعثر بعض المشاريع الحيوية الهامة كمستشفى 22 مايو (سعته 150 سرير) الذي توقف إكمال بناءه وتأثيثه قبل 17 عاما ، حيث التزم بتخصيص مبلغ يتجاوز المئة مليون ريال لإكماله وتشغيله مطلع العام القادم في حال تعثرت وزارة الصحة في إيجاد مانحيين دوليين، هذا المرفق الحيوي الذي سيساهم إلى حد كبير في فك أزمة كبيرة وسيحد من معاناة المواطنين ويخفف من آلامهم وأوجاعهم وفوق ذلك كله سيغنيهم عن السفر إلى حضرموت أو عدن.
مشاريع وخدمات أخرى أقرها مجلس الوزراء منها دعم مشروع مياه مديرية حديبو ب (250) ألف دولار أمريكي لحفر 2 بئر سطحي وبناء خزان خرساني، والموافقة على استكمال إنشاء المؤسسات والهيئات العامة أسوة ببقية المحافظات، الجانب الإغاثي كان محط اهتمام الحكومة أيضا حيث سارعت في تقديم سلال غذائية لسكان جزيرة عبدالكوري، وهناك متابعة حثيثة للحصول على دعم إغاثي من قبل المنظمات الدولية لتقديمه لسكان هذه الجزيرة.
في مجالات الإعلام والثقافة والتعليم، دشن وزير الإعلام الأخ معمر الإرياني البث الإذاعي لإذاعة سقطرى بالتزامن مع تخصيص موازنة تشغيلية شهرية لها بعد توقف دام لسنوات، بالإضافة إلى تخصيص دعم سنوي لجمعية التراث السقطري والإهتمام باللغة السقطرية، كما خصص مجلس الوزراء (29) منحة دراسية داخلية لأبناء سقطرى وعبدالكوري في أهم التخصصات كالطب والهندسة والعلوم الإدارية والإعلام.
اهتمام خاص ودعم يتماشى مع إمكانيات الحكومة اليوم، لكنه يعني الكثير لأبناء هذه الجزيرة التي ابتعدت عنها الحكومات السابقة بقدر بعد الجزيرة في عمق البحر وأهملتها، بالرغم من أهميتها الاستراتيجية والسياحية ولو مكنت في السابق من بعض الخدمات ومقومات الحياة الأساسية ونالت اهتماما يليق بمكانتها لكانت اليوم تمثل رافدا أساسيا لخزينة الدولة، لكنه الإهمال واللامبالاة وإن صح التعبير الإهدار المتعمد وغياب الرؤية الاستراتيجية لاستغلال أهم المقومات الأساسية التي ستنهض باليمن ليس على مستوى جزيرة سقطرى فحسب، بل على مستوى اليمن.
على هامش الزيارة وللاستشهاد على الإرادة الحقيقية لتقديم العون لأبناء هذه الجزيرة وكما يقول الشاعر "على قدر أهل العزم تأتي العزائم...." في اليوم الأول لوصول الحكومة وهي في طريقها لمقر إقامتها استوقف الموكب أهالي حافة موري (قرية صغيرة على الطريق) حاملين يافطات تطالب بالكهرباء، ترجل رئيس الوزراء مسلما عليهم، وعلى الفور وعدهم بتلبية مطلبهم، مضى الموكب ولم تمر 24 ساعة إلا ومولد كهربائي بقدرة 90 كيلو وات يحل ضيفا على أبناء هذه القرية كمكرمة بسيطة من دولة رئيس الوزراء، "... وتأتي على قدر الكرام المكارم".
اليوم سيشهد التاريخ وسيشهد أبناء سقطرى أن الحكومة ممثلة برئيسها الدكتور أحمد عبيد بن دغر جاؤوا للجزيرة لا للتنزه كما فعل غيرهم في السابق بل أتوا ليمدوا أيديهم لهذه المحافظة ويقدمون ما يمكن تقديمه -وهو واجب على الحكومة تجاه مواطنيها- وإن كانت احتياجاتها أكبر مما قدم لها، لكنه في حدود الممكن والمستطاع وهذا بحد ذاته جهد كبير والجود من الموجود كما يقال.