تجمع اليمنيون في ساحات التغيير، واصطفوا لمواجهة تحدياته سلميا ً.. لم يأتوا ببرامج أو تصورات جاهزة، فقد اتفقوا على أن القاسم المشترك فيما بينهم هو بناء دولة المواطنة بنظام مدني ديمقراطي، وأن طريقهم لتحقيق ذلك هو المسار السلمي، ونبذ العنف بأشكاله المختلفة.
ولتحقيق ذلك عملت القوى السياسية المنضوية تحت لواء التغيير على استخدام كل الوسائل والطرق السياسية الرشيدة لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك استقبال المبادرات السياسية التي جاءت من المؤتمر الشعبي، ومنها المبادرة التي أطلقها الرئيس علي صالح يومذاك، بعد جمعة الكرامة، بنقل السلطة إلى نائب، يختاره هو، مقابل حصانة له ولعائلته، وسلمها للسفير الامريكي الذي تواصل مع نائب الرئيس يومها الاخ عبد ربه منصور هادي.
وفي منزل نائب الرئيس عقد اجتماع حضر جانبا منه الرئيس السابق علي صالح وضم نائب الرئيس، وعبد الكريم الارياني، وعبد العزيز عبد الغني، وعلي محسن، ومحمد اليدومي، وياسين سعيد نعمان، والسفير الامريكي، وجمال بن عمر. تم فيه مناقشة المبادرة، لكن الامور تغيرت، ولم يحضر ممثلا المؤتمر الشعبي الاجتماع الذي كان مقررا بعد يومين لاستكمال النقاش.
ثم انقطعت اللقاءات لفترة، ثم استؤنفت بعد خمسة أشهر لوضع الألية التنفيذية للمبادرة، شكلت لجنة وضع الآلية برئاسة نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي وعضوية محمد سالم باسندوة، عبد الكريم الارياني، ابو بكر القربي، عبد الوهاب الانسي، ياسين سعيد نعمان، جمال بن عمر.
في هذه اللجنة اقترحنا موضوع الحوار الوطني لكل القوى السياسية انسجاماً مع الخط السلمي لحركة التغيير باعتبار أن بناء الدولة بالمفهوم الدي يحقق التوافق الوطني يجب أن يستند على "عقد اجتماعي" تتفق عليه كافة القوى السياسية، وهو الطريق الذي يؤمن مساراً نحو التغيير السلمي الديمقراطي.
كان الحوار مقترحاً يمنياً، حيث ارتقى بالمسار السياسي اليمني إلى مصاف التحولات التاريخية.
وعلى هذا الطريق كان قد تم تشكيل الحكومة التوافقية، وبدأت عملية التغيير السلمي غير مستهدفة قوى بعينها، كما يتحدث البعض اليوم، بل نظاماً سياسياً فشل في استيعاب الحاجة المجتمعية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية للمجتمع.
ما حدث بعد ذلك يتحمل مسئوليته حماة الموروث الاستبدادي الذين راوغوا ليبطشوا بالسلام، وبالتوافق، وباليمن كله بمثل ذلك الأسلوب الهمجي البائس الذي يحمل ميراثاً من الخيانة والتآمر والدم.
أعادوا إلى الذاكرة حقيقة من حقائق التاريخ وهي أن كل الذين سادوا بالاستبداد لا يمكن أن يقبلوا بأن يكونوا جزءاً من المستقبل، كان مشروع التغيير اليمني قد فتح أمام الجميع طريقاً نحو هذا المستقبل بالحوار، ورفض طريق الالغاء أو الاستبعاد من منطلق أن هذا الطريق كان هو السبب الرئيسي لكل مآسي اليمن. تمسك بالحوار، والتفاهم، والتعايش، وقبول الآخر، وادارة الخلاف بوسائل سلمية وبالديمقراطية، واحترام ارادة الناس، لكن موروث الاستبداد أراد عكس ذلك، وجند نفسه للانتقام وأغرق الجميع في الدم.