"ما من مستبدٍ سياسي إلا ويتخذ لنفسه صفة القداسة يشارك بها الله"، لم يتجاوز عبدالرحمن الكواكبي عن الحقيقة بهذه المجتزئة من كتابه طبائع الإستبداد، فقد لمس ذلك خلال رحلته البحثية والتي شملت صنوف الاستبداد على مر الزمان والعصور. فقد شهد كيف شخصٌ واحدٌ يستطيع أن يتحكم بأمة ويجعل لنفسه مهابة. فقد ذكرت دراسات أن الإنسان هو من يزرع الخوف في نفسه والهيبة من الآخرين، وهو من يجعل المستبد يزداد استبدادا كلما انحنى له وطأطأ رأسه. والأكثر استبداداً عندما يعطي الحاكم لنفسه صفة الألوهية في حكمه، وكأن الله هو من قام باختياره دوناً عن الآخرين.
وظاهرة تأليه الحاكم عُرفت منذ بدء الخليقة عندما عرف الإنسان عيش المدنية والحضارة، حيث كان يُقدم الحاكم بأنه ممثلاً للألهة في الأرض، ولا يجوز أن يُشق له عصا الطاعة، فهو أدرى بشؤون العباد، يروجون له ذلك لفيفٌ من المرتزقة تدليسا على الشعوب، مدعما بقوة ونفوذ سطوة التجار على مفاصل الاقتصاد يتقاسمون الأدوار معه، منفعة متبادلة، منهم الأموال للنفقة على السطوة العسكرية مقابل حماية وزيادة مداخلهم حتى وإن كانت بطرق غير شرعية. وفي المقابل يوظف الحاكم تحت سلطانه من يرى فيهم الطاعة والولاء من العسكر يقومون بحمايته ويصيرون عصا تستخدم ضد كل من يعترض سلطانه، يغدق عليهم من الأموال بغير وجه حق، تاركا لهم العنان يتسلطون على رقاب العباد يجمعون له الاتاوات.
ليس ذلك فحسب بل يصل الأمر بهم إلى استخدام الدين في غايتهم كأحد الوسائل التي جعلت الشعوب ترضخ طواعية، يلبسون عليهم حاشية المعابد ما يخدم غايات وأهداف فئوية لتسيطر على مفاصل الحكم. وهذه ظاهرة لازمت جميع الأديان الوضعية، حتى الدين الإسلامي لم يسلم منها. محاولات دائمة يتم فيها نشر غرائب الأحاديث التي لم ينزل الله عليها من سلطان، كان لها الأثر الأكبر في حماية الطغاة والمستبدين، وخصوصا في ظل الآلة الاعلامية المسيسة للتحكم براقب الشعوب، وتسخيرهم لخدمتها.
فما نراه من الاعتمادية على لي أعناق آيات القرآن وتوظيف أحاديث إن صح سندها رغم أن أغلبها يحوم حواليها الشكوك، فإن الشعوب لا تدرك ذلك فترضخ ولا سيما العوام منهم. وأما من ينطقون بالحق فإن مصيرهم غياهب السجون ينكل بهم أشد تنكيل، ويتم رميهم بتهم لا تمت لهم بصلة تكون كفيلة بأن تجعلهم معزولين عن الشعوب تحجم أفكارهم التنويرية خشية أن يزول عن الناس غطاء الجهل الذي يحول بينهم وبين معرفة حقوقهم المسلوبة.
أما الطغاة في بلاد فارس وصل بهم حد الدهاء، بأن كانوا يعمدون على نشر الفوضى الأمنية عندما يموت الحاكم، يتغافلون عن المجرمين والمرجفين لفترة ما، يعيثون في الأرض فسادا ويروعون الناس، وكأن ذلك أصبح صورة متكررة مع موت كل حاكم، فاعتادوا عليها المجرمون يصولون ويجولون، ناشرين الفوضة ويعيثون في البلاد فساداً، يسرقون ويقتلون. وكل ذلك تهيئة للشعوب حتى ينتظروا الحاكم الجديد وكأنه هو المنقذ ليضرب بيد من حديد يوهم الناس بأن السلام في يده، فترسخ في أذهانهم واعتقادهم بأنه مفوضا من الله وأن قوته مددا من عنده.
والحوثي وزبانيته الكهنوتية ازلام المجوس لا يتخيرون عن ذلك، بل أن كل تلك الصفات تكاد تكون مطابقة عليهم إن جاز الاعتقاد. وقد مهدت له الأيادي الخفية التي تحتضن بيد وتغرز الخنجر في الظهر باليد الأخرى، فظاظة وخسة ودناءة فاقت أسلوب اليهود والنصارى. يكذبون ويستمرون في الكذب. وقد فضحهم اسلوبهم الأخير عن مدى تقاربهم مع ذلك الجاسم على أنفاس الشعب اليمني، كل ذلك للحيلولة لمنع اليمن وشعبه أن ينهض ويقارعهم في قيادة المنطقة. قد يخيل لهم في وقتنا الحال أنهم أخذوا بزمام القيادة والتقدم، ولكن ما يلبثون إلا ويدركون أنهم انغمسوا في آسن حياة الدعة التي تجعلهم تبعا للغرب وعبيدا لشهواتهم.