في الأول من نوفمبر 2011م نشر الكاتب والصحفي المعروف صالح ناجي في صحيفة أكتوبر مقاًلًا عن المفكر والعالم والإنسان والرائد أحمد عمر بن سلمان، إعلامي عرفه اليمنيون بتميزه ومثابرته الفريدة وسعة اطلاعة، وتعدد معارفه وعلومه. إنسان تميز بالبساطة، والتواضع الجم، والوطنية التي دخل إليها من باب العلم.
هو أحد طلاب المدرسة المتوسطة في غيل باوزير، هذه المدرسة تخرج منها مثقفي ورجال المرحلة ومناضلي حرب التحرير، معظهم اتجهوا نحو السياسة، وبلغوا فيها شأوًا، وصلوا إلى قممها، إلَّا أحمد عمر بن سلمان فقد فضل العلم على السياسة، اعطاه كل وقته، ونذر له حياته، فنبغ فيه، دون غيره.
سُجِّل في وصف حياته وشخصيته بالعالم، وهو وصف لم يتشرف به كل زملائه خريجي المدرسة ذاتها، وإن وصف بعضهم بالمثقف، أو عالم التاريخ والاجتماع أو التربوي أو الخبير الاقتصادي، أو الشاعر المفوه. والدبلوماسي القدير، لكن كل هذه الأوصاف لا ترقى إلى وصف العالم بالمطلق، هذا اللقب هذا الوصف بالذات حازه بن سلمان وحده من بين أقرانه.
المقال على قدمه لصالح ناجي ومرور عقد كامل من الزمن عليه يستحق النشر من جديد، إما سبب إعادة نشره اليوم فذلك تقديرًا واعتزازًا بهذا العالم الكبير فقد أنستنا السياسة خير ماعندنا في اليمن، خير ما عندنا في حضرموت وعدن، هذا رجل تفتخر بمولده حضرموت، وتعتز بانتسابه أليها اليمن.
بن سلمان إذا أردنا أن نضعه في مكان ما من طبقة علماء حضرموت واليمن عمومًا ومن بين مثقفي عصره وإعلامييه البارزين والمتميزين فهو في الطبقة الأولى والمرتبة الأعلى.
——————————-
نص المقال للكاتب صالح ناجي
نشر في 14 أكتوبر يوم 01 - 11 - 2011
أحمد عمر بن سلمان .. المفكر.. الإعلامي .. الإنسان
الرائد الذي حقق لإذاعة عدن رقماً قياسياً ..
لقاء دفاع صالح ناجي
صوت ألفناه منذ زمن في برنامج إذاعي حقق رقماً قياسياً على مستوى إذاعات العالم العربي من حيث سنوات بثه ، فما زال برنامج (العلم والإنسان) أحد البرامج المتميزة في إذاعة عدن منذ أغسطس 1965م حتى الآن .. ويعود الجزء الأكبر في تميز البرنامج إلى شخصية معده ومقدمه الإعلامي القدير أحمد عمر بن سلمان .. الرائد في مجال تبسيط العلم وتقديمه إلى العامة من الناس بغض النظر عن اختصاصاتهم واهتماماتهم ..
لم يكن سهلاً الحصول على دقائق من وقته والحديث معه عن تجربته الإعلامية الرائدة، ليس من باب الترفع بل على العكس تماماً .. بساطة هذا الرجل .. وبعده عن الأضواء وتفانيه في عمله، وإحساسه بأهمية الوقت، وجهده المبذول بنبل ونكران للذات .. كل ذلك كان دافعاً أقوى للبحث عن طريقه يمكن من خلالها الحصول على جزء يسير من وقته الثمين ..
ومن بوابة العمارة التي يقع فيها منزله المتواضع في مديرية المنصورة وعلى مدى المسافة التي يقطعها للوصول إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون في التواهي كانت لنا معه هذه الوقفة ..
تلقى أحمد عمر بن سلمان تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه غيل باوزير في محافظة حضرموت، وكذلك الدراسة الإعدادية حيث كانت المدرسة الوسطى في غيل باوزير تتصف بمواصفات لا تتصف بها أية مدرسة مماثلة في حضرموت بذلك الوقت .. (أحببت اللغة الانجليزية منذ المرحلة المتوسطة) يقول بن سلمان .. ويضيف : (كنا نتعلم الإنجليزية على أيدي معلمين سودانيين استخدموا أساليب الترغيب من أجل حب اللغة الإنجليزية وكانت تقدم لنا القصص والقصائد ومن حينها أصبحت هذه اللغة بمثابة نافذة واسعة استطعت من خلالها الإطلاع على ثقافات العالم وعلومه الواسعة).
لم تكن (المدرسة المتوسطة) في رأي بن سلمان التي تخرج منها عام 1955م مجرد مدرسة عادية، فقد كانت كما يقول تمد طلابها بالعلوم والمعارف العصرية، وتعد تلاميذها إعداداً خاصاً يجعلهم قادرين على الاعتماد على ذواتهم وعلى التفكير وتطوير قدراتهم ومهاراتهم في إطار الفرق الكشفية والجماعات العلمية والزراعية والجغرافية والأنشطة الرياضية والثقافية وغيرها.
ومن تلك المدرسة تخرج العديد من الكوادر في المجالات المختلفة بعد أن واصلوا دراساتهم الثانوية والجامعية والعليا فيما بعد، وتبوأ عدد كبير منهم مراكز مهمة في جهاز الدولة قبل وبعد الاستقلال، ومازال بعضهم حاضراً حتى اليوم في المشهد السياسي والثقافي والأدبي على مستوى البلد كله.
ومن أولئك أحمد عمر بن سلمان صاحب الرسالة الإعلامية والعلمية في آن واحد .. وهو صورة مشرقة لتاريخ إذاعة عدن ذات الريادة والأمجاد .. تلك الإذاعة كانت لنا معلماً قبل أن تكون وسيلة إعلامية .. وكما ألفنا صوت القدير بن سلمان، ألفنا أصواتاً كانت قريبة إلى مسامعنا وقلوبنا وتعلمنا منها الكثير .. أسماء لامعة في إذاعة عدن مازالت أصواتها وكلماتها ترن في أذهان الكثيرين .. سالم بن شعيب، زينب عبدالرحمن، أسمهان بيضاني، محمد سعيد منصر، نبيلة حمود، جهاد لطفي، فوزية باسودان، وعبدالرحمن ثابت وغيرهم كثيرون ..
يقول بن سلمان: (جيل بأكمله نشأ وألف برنامج (العمل والإنسان) وبرنامج (كلمتين) وغيرها من برامج إذاعة عدن).
ويستدرك: (كانت إذاعة عدن هي الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً وتأثيراً، عكس الصحافة التي كانت حينها محدودة التوزيع نتيجة لارتفاع نسبة الأمية، لذا وقع اختياري على إذاعة عدن وكانت حينها تعد من أهم محطات الإذاعة في المنطقة العربية، وأحببت المجال العلمي وطمحت أن أجعل حقائق العلم في متناول أكبر عدد من الناس، نتيجة للتطورات المتسارعة التي رافقت النصف الثاني من القرن العشرين).
اجادة أحمد عمر بن سلمان اللغة الإنجليزية أضافت إلى رصيده المعرفي وجعلته متميزاً في أداء رسالته الإعلامية العلمية التي آمن بها وبأهميتها وضرورة إيصالها إلى الناس وليس مجرد معد ومقدم لبرنامج إذاعي لا يحقق من ورائه الا دخلاً مادياً ضئيلاً .. يقول: (عملت في مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والصحافة والنشر لفترة بسيطة كمترجم، أما في الإذاعة والتلفزيون فمازلت مستمراً في الترجمة، مازلت اشعر بضرورة بذل المزيد من العطاء إلى حين يمتد بي العمر).
أطال الله عمره .. ذلك القدير الذي حرص على مدى عقود أن يظل برنامجه الإذاعي يبث في الموعد الأسبوعي المحدد ليجعل علوم العصر وتطوراته العلمية في متناول فهم الجميع، ويضاف كل ذلك إلى رصيد إذاعة عدن ذات التاريخ العريق التي مازالت تحمل على موجاتها (العلم والإنسان) مع أحمد عمر بن سلمان .