"حماس" في مواجهة تحدي الهدنة المؤقتة

2024/06/01 الساعة 05:09 صباحاً

شهدت الأيام القليلة الماضية العديد من التطورات المتعلقة بالإبادة الجماعية الشاملة التي تشنّها إسرائيل بدعم أميركي في قطاع غزة منذ 8 أشهر، والتي قد يكون لها تأثير على سير الأحداث في الأيام القادمة، وعلى تغيير -أو تأجيل- سيناريو (الانتصار الكامل) الذي استعرضناه في مقالنا السابق، والذي يمثل في حال نجاحه المخرج المثالي للحليفين -إسرائيل وأميركا- من المأزق السياسي الذي يمرّان به حاليًا، بالقضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى والمختطفين. فكيف ستتعامل حركة "حماس" وكتائب المقاومة مع هذه التطورات؟

التطورات الأخيرة ربما تجبر نتنياهو وحكومته، على القبول بالرؤية الأميركية للتغلب على الأزمة بالعمل العسكري والسياسي معًا، للقضاء على حماس واستعادة الأسرى، وقد يساعد ذلك على الخروج المؤقت من المأزق، ولكنه لا يعني إيقافًا دائمًا للحرب وإنهاء الأزمة.

تطورات مفاجئة

استعرضنا في مقالنا السابق السيناريوهات الثلاثة المحتملة للتحرك الإسرائيلي في مواجهة تعقيدات الموقف الراهن، وهي:

  • مواصلة الحرب لتحقيق الانتصار الكامل على حركة "حماس".
  • أو تحقيق الانتصار الجزئي.
  • أو مواصلة الحرب من أجل تحسين شروط التفاوض.

تلك هي الاحتمالات إذا لم تحدث تطورات مفاجئة تعدّل من مسار هذه السيناريوهات، التي تم تحديدها بناء على أبرز الأسس التي تحكم الموقف الإسرائيلي والأميركي، بكل ما يحيط به من تعقيدات، وما يواجهه زعيما التحالف -بنيامين نتنياهو وجو بايدن- من حرج يهدد مستقبلهما السياسي ومستقبل حزبيهما.

تتلخص أبرز التطورات التي شهدتها أزمة الحرب على حماس فيما يأتي:

  • أولًا: مشروع أميركي جديد لإيقاف الحرب

زار مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، إسرائيل يوم الأحد 19 مايو/ آيار الجاري، حاملًا مشروعًا جديدًا لتعجيل الخروج من المأزق والاتفاق على الهدنة واستعادة الأسرى، قبل أن تحتدم المنافسة في انتخابات الرئاسة الأميركية في نهاية هذا العام، ويقوم هذا المشروع على إغراء نتنياهو بجملة مكاسب سياسية وأمنية تشجعه على قبول الهدنة ووقف إطلاق النار.

وتتضمن هذه المكاسب المزيد من اتفاقات التطبيع، وتشكيل غلاف أمني مع دول المنطقة ضد إيران، يضمن أمن إسرائيل، والتزامات باستثمار مليارات الدولارات في غزة تحت إشراف إسرائيل، وإطلاق سراح الأسرى، وإنهاء الحرب، إضافة إلى اتفاق سياسي مع حزب الله، يعيد الاستقرار والأمن إلى شمال دولة الاحتلال.

وفي مقابل تلك المكاسب طلبت الولايات المتحدة من حكومة نتنياهو الموافقة على: إيقاف الحرب على غزة، والاتفاق على إطلاق الأسرى، والقبول بإدارة غزة بعد الحرب بواسطة إدارة فلسطينية مدنية بالتعاون مع دول المنطقة.

وبرغم موافقة المعارضة والرئيس الإسرائيلي على هذا المشروع، إلا أن نتنياهو وحكومته اليمينية رفضوا المشروع، وشدّدوا على عدم استعجالهم المزيد من اتفاقات التطبيع قبل القضاء على حماس واستعادة الأسرى.

  • ثانيًا: قرارات عدلية دولية ضد إسرائيل

لم تمضِ أيام على مشروع سوليفان، حتى طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس أركانه، أعقبها بعد أربعة أيام صدور قرار محكمة العدل الدولية بإيقاف الحرب في غزة وفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، ما زاد من حجم الحرج الذي يواجه إسرائيل وحكومتها على الصعيد الدولي رسميًا وشعبيًا، حتى بين الدول الغربية الداعمة لها.

 

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: سياسة

 

محمي بخدمة reCAPTCHA

  • ثالثًا: دول أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية

تزامن ذلك أيضًا مع الاعتراف الكامل لثلاث دول أوروبية، بدولة فلسطين هي: إسبانيا، والنرويج، وأيرلندا، وباشرت إجراءات الاعتراف لتكتمل قبل نهاية شهر مايو/ أيار الجاري 2024م، ودعت دول الاتحاد الأوروبي لتحذو حذوها.

  • رابعًا: مفاجأة عودة نتنياهو إلى المفاوضات

رفض نتنياهو المشروع الذي جاء به مستشار الأمن القومي الأميركي، وضرب عرض الحائط بالقرارات العدلية الدولية مطمئنًا إلى أنها ستتحطم على صخرة الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وندد بالدول الأوروبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، وواصل عملياته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، في شمال القطاع وجنوبه، والتي باءت جميعها بالفشل، ما ضاعف السخط الدولي ضده، وضاعف من ضغوط المعارضة والاحتجاجات الشعبية في الشارع الإسرائيلي المطالبة بعقد صفقة عاجلة لاستعادة الأسرى.

ويبدو أن هذه التطورات مجتمعة؛ كانت وراء الموقف المفاجئ الذي صدر عن مجلس الحرب الإسرائيلي بالعودة إلى المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس للتوصل إلى هدنة لاستعادة الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية.

ورغم أن نتنياهو رفض إعطاء الوفد المفاوض صلاحيات واسعة، فإن التطورات التي تضغط عليه بشدة، ربما تجبره على القبول بالرؤية الأميركية للخروج من المأزق عسكريًا وسياسيًا. ويساعد هذا القبول المحتمل على الخروج المؤقت من المآزق الراهنة، ولكنه حتمًا لا يعني السير باتجاه إيقاف دائم للحرب وإنهاء الأزمة.

الوصول إلى الهدنة المؤقتة لن يكون الفصل الأخير في هذه الحرب، وعلى حماس أن تستعد جيدًا للمراحل التالية، التي قد يغلب عليها الطابع السياسي، ما لم تحدث متغيرات تعيد كرة النار إلى المربع الأول.

مأزق الهدنة المؤقتة!

حركة حماس وكتائب المقاومة الفلسطينية تواجه هي الأخرى تحديات صعبة، تتمثل في الجوانب التالية:

  • الحاجة إلى إيقاف حرب الإبادة الجماعية التي استباحت كل شبر في غزة.
  • الحاجة إلى تخفيف معاناة المواطنين في القطاع.
  • الحاجة إلى عدم تكرار مأساة مدينتي غزة وخان يونس في مدينة رفح.
  • حاجة المقاومين إلى التقاط الأنفاس، وعلاج الجرحى، وإعادة التموضع اللوجيستي.
  • الحاجة إلى قطع الطريق على المخططات الإسرائيلية والأميركية الخاصة بقطاع غزة ما بعد الحرب.
  • الالتفات إلى أولويات العمل الوطني مع بقية القوى الفلسطينية للتعامل مع مرحلة ما بعد الحرب.

هذه الجوانب الرئيسية تدعو حركة حماس وكتائب المقاومة إلى القبول بمبدأ التفاوض على هدنة إنسانية لا تنص صراحة على الإيقاف الدائم لإطلاق النار، بقدر ما تشدد على إطلاق الأسرى، وذلك مع أطراف تعلن صراحة في كل المحافل عزمها على القضاء على حركة حماس، عسكريًا، وسياسيًا واجتماعيًا، وأنها لا مكان لها في قطاع غزة بعد الحرب. وهو ما يجعل الهدنة ذاتها تحديًا خطيرًا للمقاومة.

ولكن، وأمام صعوبة المواجهة العسكرية، وضعف المواقف العربية والإسلامية، قد تجد حماس نفسها مدفوعة للقبول بهذا التحدي، معتمدة على عدة مرتكزات:

  • إيمان راسخ بالحق الوطني والواجب الديني يستوجب بذل النفس والنفيس لاستعادته.
  • شجاعة باسلة وصمود لأفراد المقاومة.
  • صمود شعبي حاضن للمقاومة رغم كل ما يواجهه من معاناة.
  • إيقاع مزيد من الخسائر في صفوف قوات الاحتلال.

ومع ذلك فإن اجتياز هذا التحدي ليس نهاية المطاف، ولا الفصل الأخير في هذه الحرب، وعلى حماس أن تستعد جيدًا للمراحل التالية التي قد يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من العسكري، ما لم تحدث متغيرات جديدة تعيد كرة النار إلى المربع الأول.