مقال : محمد احمد بالفخر
عرفت مدينة المكلا حاضرة حضرموت صناعة الحلوى الحمراء في خمسينيات القرن الماضي وهي شبيهة بالحلوى العمانية الشهيرة في هذه الأيام، وأطلق عليها اسم حلوى (السيّد) صاحب معمل صناعة الحلوى،
و(السيد) هي صفة تُطلق على أفراد بعض الأسر التي قدم جدهم من البصرة الى حضرموت منذ قرونٍ عديدةٍ على اعتبار نسبهم الهاشمي،
وهذه الحلوى التي ظهرت لأول مرة في حضرموت كانت حديث الناس في مجالسهم ومهاجرهم ونُسِجَت حولها الكثير من القصص والأساطير بأن أحد الأشخاص ممن لديه الكرامات يأتي بها ساخنة وفي غمضة عين من المكلا الى جده وقبل أن يقوم الحاضرين من مجلسهم،
وكون حضرموت مازالت حديثة عهدٍ بمجاعة قاسية مات فيها خلقٌ كثير فقد هاجر خلالها ناس كثير بحثاً عن لقمة العيش والحياة الكريمة وبالتالي لا يشتري هذه الحلوى الا من لديه فائضٌ من المال امّا البسطاء فلا يعتبروها من الأولويات الضرورية، وقيل أنّ أحد الجمّالة من أهل البوادي ومن الذين يعملون في نقل المؤن من المكلا أو الشحر الى وادي حضرموت،
وعند ذهابه الى مطارح قومه في بادية الصحراء بعد إيصال حمولته لأصحابها يصبح هو نجم الشاشة ومتصدّر مجالس السمر التقليدية يحكي لهم ما شاهده فترة غيابه من أخبار ومستجدات، فأخذ يحكي لهم عن حلوى حمراء اللون جميلة المنظر تؤكلُ بشراهة فما ألذّ طعمها وبمصطلح المفردات الحضرمية (يا طم هي) فقالوا له ما هي قال حلوى يصنعها واحد سيّد في المكلا،
فقال له أحد الحاضرين عساك ذقتها؟
قال لا والله ما ذقتها إنما (ولد عمي شاف لي ذاقها)!
فأصبحت هذه العبارة مثلاً يضرب عن كل من يتحدث بمعلومة أو يحكي عن أحداث لم يشاهدها ولم يكن متأكداً من صحتها،
وإذا نظرنا لحالنا اليوم ومع انتشار وسائل الوتوسة واللعفسة وما شابهها من الفسبكة والأكسسة التي امتلأت بها الشبكة العنكبوتية هذه الأيام ومع بروز الكثير من الاسماء الوهمية التي يُطلق عليها مجازاً الأسماء المستعارة من ينقل أخباراً أو معلومات لم يحضرها البتة ولم يكن شاهداً عليها بحال من الأحوال وعندما تسأله عن المصدر أو مدى صحة ما يقول سنجد أنفسنا أمام المثل الذي عنونّا به المقال حقيقة ماثلة أما أعيننا (ولد عمي شاف لي ذاقها)،
ولا يعرف الناقل او المتلقي إلا من رَحِمَ ربي أن كثيراُ من الأخبار والمعلومات الكاذبة ماهي إلاّ صناعة مطابخ استخباراتية تعمل ليل نهار تقلب الحقّ باطلاً والباطل حقاً وتقوم بترويج الأكاذيب والشائعات ضمن برنامج واضح المعالم يخدم مخططات هذه المنظومة أو تلك لتبقى الشعوب تعيش في حيرة دائمة وتوضع عليها دائرة مغلقة الاحكام لا تستطيع تجاوزها ناهيك عن الانفكاك منها، وكثيرٌ منهم ينطبق عليه ما جاء في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام (( ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا))
ما هو حالك أيها الغافل عندما تُكتَب عند الله كذاباً ماذا ستنتفع بفتات يصلك من موائد اللئام؟
نعوذ بالله من هذه الصفات الذميمة التي أصبح الناس يتساهلون فيها لتحقيق مكسب سياسي أو مادي أو كسب موقفٍ لحظي ولا يدركون عواقبه والاستمرار فيه لأن العقاب وخيماً في الآخرة ونعيد نذكر لمن سينفعه التذكير أن في الحديث النبوي الذي ذكرت الجزء الأخير منه آنفاً ((وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ))
أيها الغافل لو أتتك عبارة إياك التحذيرية من ابوك أو أمك أو زوجتك أو مسؤولك صغيراً أو كبيراً فما هو موقفك منها؟ فما بالك انها أتت من معلّم البشرية محذرا وموضحاً الطريق الذي ممكن أن يصل اليه الغافل إن لم يفيق من غفلته،
المواقف السياسية تتغير والاهداف تتغير والرؤى تتغير وفق المصالح فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة
فما الذي يجعلك تتحمل من الأوزار مالا طاقة لك بها يوم القيامة فلا الزعيم الفلاني سيكون بجوارك ولا الحرس الرئاسي سيكون قريباً منك ولن تهب الخلايا الأمنية لنجدتك، فهل سنتعظ؟ ام ستستمر الغفلة؟