د كمال البعداني .
قبل اكثر من الف وأربعمائة عام وتحديدا في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة ، اقبلت قريش ومن تحالف معها من قبائل العرب بجيش جرار قوامه عشرة الف مقاتل ، وكانت الهدف هو اجتياح المدينة المنورة والقضاء على المسلمين هناك وفي مقدمتهم النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، كان الاعلام القرشي يردد بين قبائل العرب ان ماهي الا ايام قليلة حتى يتم سوق من في المدينة من المسلمين مكبلين بالسلاسل والاغلال الى مكة ، وان التشاور قائم في من سيتولى بعد ذلك ادارة المدينة بعد ، وصل جيش المشركين الى ضواحي المدينة ولكنه لم يستطيع تجاوز الخندق الذي قام المسلمون بحفره ، فضرب المشركون حصارا خانقا على المدينة المنورة لمدة شهر ، تخللته مناوشات وتراشق بالنبال ، عاش المسلمون طوال هذه الفترة اياما وليالي عصيبة بلغت فيه القلوب الحناجر ، وظهر المنافقون على السطح واشتغل (الطابور الخامس ) وبدا يشكك بقدرة المسلمين على الصمود وقالوا : ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا . ي ه و د بني قريظة نقضوا العهود والمواثيق ( كما هي عادتهم ) والتي كانت بينهم وبين المسلمين والذين اصبحوا بين فكي كماشة . المشركون من امامهم وال (ي ه ود ) من خلفهم ، وتنكر للمسلمين الجميع . فصمدوا صمودا اذهل الاعداء ، وكانت غزوة الخندق ويطلق عليها ايضا ( غزوةالاحزاب ) ، كانت ابتلاءً وامتحاناً ، وتمييزا بين الموُمنين والمنافقين ، حتى انزل الله نصره على المسلمين وانكسر الحصار فعاد المشركون الى مكة المكرمة يجرون اذيال الخيبة ، بينما عمت الافراح المدينة المنورة شكرا لله على هذا النصر . تذكرت كل هذا وانا اتابع الاحتفالات بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة وبين الكيان . ففي شهر اكتوبر من عام 2023م اقبلت إسرائيل بجيشها البري والبحري والجوي الى قطاع غزة ، يساندها العديد من الدول الكبرى في العالم ، ببوارجها واساطيلها وطائراتها ، ومخازنها التي فتحتها امام الكيان ، وكل هؤلاء كانت اهدافهم تتلخص بالاتي : اجتياح غزة وتحرير الأسرى بالقوة ، القضاء على المقاومة واستئصالها من غزة ، وسوق قادتها مكبلين الى( تل ابيب ) ، اكثر من اربعمائة وستين يوما ، قُصفت خلالها غزة من الجو ومن البر ومن البحر ، قُصفت بالاف الصواريخ والقنابل المحرمة دوليا ، سقط عشرات الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ . وسويت مبانيها بالتراب ، وكانت تسقط فوق ساكنيها ، اصبح ابناء غزة يهيمون على وجوههم في الشوارع التي اصبحت مثل اراضي الفلاحة ، يبحث الاب عن ابنه ، والطفل عن امه ، والجميع يبحث عن كسرة خبز او شربة ماء ، بعد ان ضرب العدو عليهم حصارا خانقا ، وقطع عنهم كل شيء ، حدث كل هذا وسط صمت القبور من الحكام العرب ، والذي كان نتنياهو ومن خلفه امريكا قد هددهم بقوله : انهم اذا ارادوا المحافظة على كراسيهم فما عليهم الا الصمت ، ففعلوا ذلك ولسان حالهم يقول : اللهم حوالينا ولا علينا ، بل ان بعضهم قد ساند الكيان بطريقة او باخرى ، كان الجميع في انتظار اعلان المقاومة للاستسلام المطلق ورفع الرايات البيضاء ، كان دحلان يسخن في ابو ظبي ، وفي رام الله كان ابو مازن يستعد للدخول الى غزة ممتطيا الدبابة الاسرائيلية ، الاعلام العربي كان يناقش مستقبل غزة فيما بعد القضاء على المقاومة هناك ، المئات من الكُتاب والناشطين العرب في مواقع التواصل ، كانوا وما زالوا يهاجمون المقاومة وكأنهم يغردون من ( تل ابيب ) وليس من الوطن العربي ، ولكن الحقيقة انهم كانوا يجهلون ان هناك في غزة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، في عام 1967م استطاع الكيان وخلال ستة ايام فقط سحق جيوش ثلاث دول عربية والسيطرة على مابقي من ارض فلسطين ودخول مدينة القدس ، وكذلك السيطرة على صحراء سيناء ومرتفعات الجولان ، استولت اسرائيل وسيطرت خلال ستة ايام على اكثر من تسعة وستين الف كيلو متر مربع من الاراضي العربية ، وخلال ( 466) يوما لم تستطيع السيطرة على (365 ) كيلومتر مربع هي مساحة غزة ، ولا قضت على المقاومة ، ولا حررت الاسرى بالقوة كما اعلنت من قبل ، وهاهي توقع مع المقاومة وقفاً لاطلاق النار ، وهي التي كانت ومعها امريكا تقولان ان التفاوض مع المقاومة ضرب من المستحيل . اذا حضرت العقيدة في المعركة فليس هناك مستحيل ، طبعا خيبة الامل ليست عند حكام (تل ابيب ) لانهم يعرفون اصلا من يواجهون في غزة ، ولكن خيبة الامل الحقيقية هي عند الحكام العرب !
(سبعة اكتوبر وما حدث فيه )
قد يقول قائل ان كل الذي حصل في غزة من خراب ودمار والاف القتلى والجرحى كان بسبب ما حصل من المقاومة في 7 اكتوبر 2023م ! فنقول لهؤلاء: من متى توقف القتل والدمار على الفلسطينيين منذ 1948م حتى اليوم ؟ وهاهي اسرائيل تعربد وتقتل وتعتقل وتفجر في اراضي ( السلطة ) وتستطيع الدخول الى غرفة نوم ( الكيّوت ) ابو مازن في اي وقت ، الحرية والكرامة لها ثمن مفتوح عند الشعوب ، فلو كل اهل بلاد محتلة يرفضون مقاومة الاحتلال خوفا من القتل والخراب ، لما خرج المستعمر من اي بلاد ، ولما دفع الشعب الجزائري مثلا اكثر من مليون شهيد من اجل التخلص من الاحتلال الفرنسي ، ولما دفع الشعب الليبي عشرات الالاف من الشهداء من اجل التخلص من الاستعمار الايطالي ، ولما قدم الشعب الافغاني اكثر من اثنين مليون شهيد في وجه الاحتلال البريطاني والروسي والامريكي ، ولما دفع الشعب الفيتنامي اكثر من اثنين مليون قتيل ، من اجل التخلص من الاحتلال الامريكي وتوحيد فيتنام !
قال تعالى : ( وَلَا تَهِنُوا فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) .
تخرج اسرائيل من هذه الحرب ومعها آلاف القتلى من جنودها وآلاف المعاقين والالاف من الذين اصيبوا بامراض نفسية . حتى وان اخفت ذلك .. تخرج من هذه الحرب وهي عند شعوب العالم عنوان بارز للاجرام والوحشية . بينما عادت القضية الفلسطينية الى الصدارة امام العالم بعد ان كاد يطويها النسيان .. سلام الله عليكم يا احرار غزة ورحم الله شهدائكم ، وشفى الله جرحاكم ، وجبر على قلوبكم وثبت اقدامكم .#كمال_البعداني