بقلم : عبدالوهاب العمراني
بعيداً عن التأويلات والقناعات أوالتنميط المُسبق ، وبدون الدخول في تفاصيل ما حدث في مصر غداة الثلاثين من يونيو فالقضية لم تعد جدلاً ينحصِر فقط في المسميات وهل ماجرى انقلاب ام ثورة شعبية فلا ندفن رؤسنا في التراب ، ولعل الكتابة أو إبداء رأيا في قضايا الساعة غداً أمراً محيراً لعمى الألوان لدى البعض رغم وضوح الرؤية ومن أي زاوية كانت ، لقد فرقت تلك الرؤى المتضاربة للأسف الأمة بسبب تداخل الديني بالسياسي وتصنيف الأمور من منطلقات وقناعات مسبقة ، فقط من اجل إقصاء الآخر وعدم القبول بمبدأ المشاركة التي طالما تغنت بها كل الأطراف ، وهذه الرؤية ليست دفاعا عن الإخوان بقدر ماهو تسليط الضوء على جملة من الحقائق والمعطيات التي فرضت نفسها في المشهد السياسي المصري ، وبغض النظر عن أخطاء الإخوان وصوابهم فهم في نهاية الأمر أتوا بصورة شرعية ديمقراطية وعليه فأن الإعلام منذ شهور وهو في حالة تهيئة وتعبئة الرأي العام المصري بل والعربي وشيطنة خصومهم ممن يسمونهم بالإسلاميين وذلك لتغييرات وتحولات محتملة ، اللافت أن الغرب دولا ومنظمات يستنكر لهذه المجازر أكثر من ذوي القُربي التي تذهب في اتجاه الحكم العسكري ، وفي هذه الأجواء والعنف المستمر كيف يراد لمصالحة وخصومهم يقبعون في السجون ، وقد لفقت لهم تهما أقبح من ذنب... منها التخابر مع حماس وهذا تطور خطير في الفكر السياسي المصري ففلسطين وبكل مكوناتها ليست عدوة للشعب المصري ولا حتى لقياداته مهما تغيرت من جهة أخرى فما ذنب الفلسطينيين فمرسي نفسه هو من أغلق الإنفاق في وجه هذا الشعب المنكوب بمعنى أن عهد مبارك كان خيرا لهم على الأقل هناك منافذ أخرى وعليه فحشر الشأن المصري في هكذا تُهم إنما يجعلهم في الخندق المعادي للمصريين بدون ذنب اقترفوه ! ، فمشاكل مصر يجب أن تبقى داخل حدودها فحتى لو كان له تواصل مع حماس فهي في نهاية المطاف كيانا عربياً وليس إسرائيل وكأنه كما لو كان يتعامل مع حزب وجهة عربية أخرى فما الضير من ذلك! ، فلو تفاوضوا مع مرسي قبل الكارثة او تحملوا لحين انتخابات مبكرة كما نادى بها لما وصلت الأوضاع إلى ماهى عليه ، فالحل الأمني بداهة ليس حلا في القرن الواحد والعشرين حتى لو كممت الأفواه فسرياً فهنا تصدق المقولة نجحت العملية ولكن للأسف مات المريض ،فقد تم نحر الوطن بعد زج الجيش وإقحامه في السياسة ، كما هز النظرة المثالية للجيش المصري الذي اظهر حيادية في ثورة يناير وأقحم بالسياسة ، وهو الأمر نفسه بالنسبة للقضاء والاهم مؤسسة الأزهر( الذي كان محايداً وله دوراً مشهوداً أثناء الحملة الفرنسية على مصر ولم يحجم إلا منذ حكومات العسكر قبل عقود) والكنيسة القبطية كل تلك الرموز اوتي بها كغطاء شرعي لحكم العسكر !.
يُمكِن اعتبار الأسابيع المنصرمة ذروة التدهور في النظام الإقليمي العربي فحالة عدم الإستقرار وتدني الأمن وتفاقم العنف الذي يعصف ببلدان ماعُرف بالربيع العربي ابتداء من بغداد وحتى تونس مروراً بما تشهده سوريا وانعكاساته على لبنان ، وتعثر العملية السياسية في اليمن ولكن يتصدر ذلك المشهد المأساوي أحداث مصر الأخيرة التي يمكن القول بأنه أسبوع مصري بامتياز حيث تتزايد المخاوف من انزلاق مصر بكل ما تشكله من ثقل عربي وعمق تاريخ أصبحت أم الدنيا شاغله الناس والإعلام العربي والغربي على السواء ، فالملايين في مصر ومن ورائها العرب يدهم على قلوبهم ، ويبدو أن الأسبوع الجاري حاسم في تحديد مسار هذا الانقلاب ، فقد بداء العد العكسي لدى معارضي الانقلاب ، بالفعل لكل شئ ثمن ، وثمن جزمه العسكر دماء لايعلم نهاية المأساة إلا الله ، فبعد رحيل مرسي لم تكن خارطة الطريق مفروشة بالورود ، فرحيله لم يكن نهاية كل شئ بل بداية سلسلة من المآسي والمحن ، وقد لا تستقر مصر لشهور مقبلة ، حيث يبدو إنها تدخل نفقاً مظلماً بعد وأد الديمقراطية... يعتقد البعض بأن الاتجاه هو لتقسيم مصر دولتين علمانية وإسلامية وتظلان في تناحر فيما بينهما ، لا أجد تفسير لمواقف عربية رسمية كانت أو شعبية وعلى أي أساس منطقي ينطلقون في تقييم الحالة في مصر عندما يصبح دور العسكر ثورة ولكنه في سوريا يستحق الثورة عليه !
تُلخص إشكالية السلطة في البلاد العربية ومأساة الحاكم والمحكوم في خلط السياسي بالديني وإقصاء الآخر وتداخل الثورات بمراكز قوى وأطماع خارجية ، لطالما هلل البعض لإقصاء الأخوان في مصر او أي بلد آخر وكأنهم من كوكب غيرنا ، والحال أنهم لو جربوهم طالما ارتضيتم بالديمقراطية فما الإشكال في ذلك؟ لعله أفضل من أن ينطلقون من تحت الأرض حينها يصعب التفريق بينهم والسلفيين والقاعدة وتصبح مصر كالجزائر في التسعسينيات عندما أصبح الكل يحارب الكل فلا يدري ألمراء بأي ذنب قتل!
عندما تُنتقد ثورات الربيع العربي يحلوا للبعض قدح ومدح هذا الطرف أو ذاك مع انه يجافي الحقيقة والنقد العلمي البناء فبداهة لكل ثورة مسبباتها ، وعلميا يجب التفريق بين الثورة مهما كانت عفويتها وما يكتنفها من غموض وبين اللعبة الديمقراطية وحسب الأخيرة فأن ما يحدث في الشارع المصري هو خطاء من الإلف للياء، وسيتضح ذلك ولو بعد حين ، ولو كنت بهذا الطرح أغرد خارج السرب.
ثورة مصر كانت الثانية بعد شرارة تونس ولو تم إحصاء خروج الجماهير لكانت هذه المرة أكثر منها قبل نحو عامين بحسب رأي المراقبين ، وأنصافاً فلا يستطيع العطار إصلاح ما أفسده الدهر لنحو ثلاثون عاما في مصر فخلال سنة واحدة من حكم الرئيس مرسي والإخوان الذين أتوا على تركة ثقيلة من الفساد المتراكم لعقود ، لقد تعرضت تجربتهم الوليدة لحملة شرسة محلية وعربية وكان الغرب أكثر إنصافا لهم وقد نجحت الآلة الإعلامية العربية والمصرية بشيطنة تلك التجربة مع أن أي نظام يأتي على أنقاض حكم عسكري لعقود وفي بلد كحجم مصر لها احتياجاتها التنموية وضروفها الاقتصادية المعروفة قد تأخذ عقودا لإرضاء كل الناخبين.