وحدتنـا .. إرث الماضـي وتحــدي المستقبـل

2013/05/26 الساعة 10:13 مساءً

في مايو 1990 م كان الإنجاز اليمني كبيرا وتاريخيا ومقدسا ترجم عقودا من محاولات لم الشمل ووصل الأسرة الجنوبية بالشمالية في رباط الإخوة والأصل الواحد .. وإذا كان من سنن الشرف الرفيع أن لا يتجنب الدم عليه فقد نزف الوطن في عام 1994م وهو يدافع عن وحدته الوليدة فكان المدافعون عنها من الجنوب قبل الشمال , فقط لأن الجميع عرف معنى التشظي والشتات حتى وقد لعب الطرفان السياسيان بعد ذلك دورا غير عادل في تجيير ما جرى لصالحه وخدمة ذاته ..
.. واليمن تاريخيا لم يكن إلا يمنا واحدا منذ ميلاده رئة للجزيرة العربية .. وتاريخيا أيضا هي اتفاقية الإمام يحيى الذي كان يحكم أجزاء من الشمال والسلطات البريطانية التي كان تحتل أجزاء الجنوب أسست ليمنيين حتى ثورتي سبتمبر في الشمال وثورة أكتوبر في الجنوب عندما تحقق شاهد عدل جديد على واحدية اليمن إنسانا وروحا حين انخرط ثوار المحافظات الجنوبية في الثورة الأم وأسهموا في فك حصار صنعاء السبعيني بينما كان قادة الثورة في شمال اليمن يتقاسمون مع إخوانهم ثوار الجنوب جر مقطورة الثورة الفتية من على مرتفعات ردفان ..
.. ويقول لنا التاريخ أيضا انه لولا الانقلاب على مبدأ الوحدة في ثورة أكتوبر في عام 1967 م لكانت اليمن شهدت إعلان الوحدة في ذلك العام حيث سبقت أحاديث التوحيد ذلك بعام واحد , وظل الأمر على هذا النحو في خطوات اتفاق وتوافق في مدن اليمنيين وخارجها حتى فتح الله علينا جميعا باتفاق إعلان الوحدة في مايو من عام الوحدة من رائعة الروائع اليمنية عدن ..
.. أما ما يجب علينا جميعا كيمنيين من جيل الثوار ومن بعدهم من أجيال المعرفة فعلينا أن نجعل من وحدتنا ضمان الحياة للمستقبل وعدم الركون في تقرير مصير بلد الحكمة للسياسيين الطامعين لأن الوحدة إرث الأمة ومن يرى في التشظي مرة أخرى حلا هو وأهم الاعتقاد فاسد الولاء ضره على اليمن أكثر من نفعه ..
.. اليوم وبعد 23 عاما على وحدة اليمن الغالي تصاعدت أصوات تجلد هذا الكائن النظيف بدعوات في ظاهرها حقوق وحريات وباطنها مصالح ذاتية تشبعت بها نفوس من يغذون تيار فك الارتباط ولو من أي نوع أو مدخل .. وهذه الأصوات طبعا ليست وليدة الأعوام الأخيرة لكنها تبلغ هذه الأيام أعلى درجاتها لأن الأزمة التي مرت بها بلادنا في آخر ثلاثة أعوام كانت كفيلة بتغذية أفكار كل شارد أو صائد في مياهنا العكرة ومع هذا سيكون من السهل استذكار ألف وألفين قصة تبرر هكذا أحاديث ..
.. لكن الأهم من تعاطي المسعورين للانفصال هو اتفاق الشعب في غالبه الأعم قيادة وعامة على مسألة أن الوحدة مقدسة بقدسية تاريخ اليمن وسماته الكريمة وعظمة هذا الشعب الذي كان ذات مرة سببا مباشرا لمزج الأمة الإسلامية وتوسيعها تحت راية الإسلام وحده لا شريك له ..
.. كان من أخطاء الماضي التغاضي على المظالم التي جرت في جنوب الوطن وقاد لنفس النتيجة التقليل من أهمية وصعوبة وخطورة تلك المظالم .. وكان من أخطاء الماضي القاتلة أن السعي لحلحلة الملفات التي أثقلت كاهل الناس كان بسرعة السلحفاة وأسلوب الفأر وهما أمران ضرا أكثر مما نفعا , وهذا جعل العلاج سطحياً وغير ناجع وكانت النتيجة وصولنا جميعا إلى حد تطاول البعض على الوحدة بطريقة خلطت الحابل بالنابل ..

أخيرا :
.. من العيب السياسي الفاضح أن يتحدث فرد أو مجموعة باسم كل اليمنيين في الجنوب أو الشمال , تماما كما كان من المعيب قبل ذلك أن يتصرف البعض في الشمال بطريقة أساءت لأبناء الجنوب وكأنه يمثل أبناء الشمال كافة في حين انه لم يكن في الحقيقة يجسد إلا مصلحته الشخصية وركض في كل اتجاه استغلالا للفساد الحاصل لما بعد حرب الانفصال لتعظيم المنافع الذاتية .. وحدة اليمن حق الأجيال وحلم الأمة وأي حديث عنها لا بد أن يكون تحت هذا العنوان الكبير والمقدس