خريب متكرر ومنظم لإمدادات الكهرباء والنفط وهجمات ارهابية حاصدة لعشرات الجنود وفي أكثر من موقع وفي وقت واحد ،وهذه الافعال المشينة تزامنت مع موقف سياسي مأزوم وطافح بالتصريحات الاعلامية المتشنجة المهددة بنسف عملية الانتقال السياسي كما وهذا الموقف المتأزم صاحبه التلويح المتكرر بعصا الانسحاب من مؤتمر الحوار الوطني وبافتعال المشكلات والعراقيل المتعددة .
فكل هذه الاشياء ليست بخافية على احد إذ انها باتت أمرا اعتياديا وبديهيا يتوقعه المواطن العادي كلما لاحت في الافق تباشير تفاؤل وأمل بمغادرة وتجاوز المرحلة الراهنة الشديدة التعقيد والحرج .
لا أعتقد ان وتيرة التخريب والارهاب والتقطع والخطف مجرد حوادث طارئة واعتيادية لا رابط لها او علاقة بالعملية السياسية القائمة أو بأحد اطرافها المشاركين في الحكومة ومؤتمر الحوار ، فكما هو متعارف عليه في علم الجريمة هو ان وراء كل جريمة جنائية هنالك فاعل مستفيد .
وعلى هذا الاساس فإنه لمن الغباء والسذاجة الفصل ما بين المسارين السياسي والتخريبي ، فواقع الحال يؤكد هذا التلازم الوثيق ما بين العملية السياسية الجارية في العاصمة صنعاء وبين اعمال العنف والتخريب والارهاب المتصاعدة وتيرتها بناء وترمومتر النتائج المحرزة في مؤتمر الحوار أو في قرارات الحكومة والرئاسة .
فكلما كانت العلاقة جيدة والنتائج مرضية هدأت اعمال التخريب والتقطع والتهريب والخطف وسواها من الافعال الخارجة على النظام ، وكلما كانت الخلافات محتدمة في مؤتمر الحوار وكلما زادت مساحة القطيعة مع الحكومة والرئاسة ؛عادت مجددا سيارات القاعدة المفخخة وزادت هجماتها عنفوانا وشراسة .
المواطن العادي تجده هازئا من تصريح وزارة الداخلية ومن طريقة تعاملها مع اغتيالات القاعدة أو تخريب القبائل ، ومعه كل الحق في ان يلعن ابوها وزارة ودولة وحكومة لا تستطيع جميعها بوقف هذا المسلسل العبثي المدمر والمنهك ، فما من قاعدة وارهاب في هذه البلاد إلا وخلفه تواطئ سياسي وامني في جهاز الدولة ! وما من جماعة تخريب وتقطع إلا ووراءها رؤوس نافذة داعمة وموجهة لها ! .
وإذا كان هذا هو حال المواطن البسيط مع هجمات القاعدة وتخريب القبائل للمنشآت الحيوية ؛ فكيف بمسؤولي الحكومة والدولة ؟ وكيف بشركاء العملية السياسية ؟ وكيف برعاة مبادرة الخليج الذين بكل تأكيد تكونت لديهم افكار مغايرة تماما لماهية القاعدة وخلاياها المستيقظة على وقع وتوقيت الخلافات السياسية ؟.
هذا التناغم العجيب ما بين الموقف السياسي المتأزم في مؤتمر الحوار وبين هجمات القاعدة واعتداءات المخربين على توصيلات الطاقة والنفط ألا توحي لكم بثمة رابط واحد بين الاثنين ؟ لست هنا في مقام من يوزع الاتهام دونما دليل او قرينة ، لكن عدم امتلاك الانسان لبرهان مادي إزاء جائحة الارهاب والتخريب المنتشرتين في أكثر من بقعة وفي وقت واحد إنه صار كائنا فاقد للفهم والتمييز .
فحين يصل الامر الى اطلاق تهديدات وعبر قناة فضائية محلية ؛ فذاك يشير ويؤكد بان التخريب بات بطولة ومجد مشرف يستدعي من القائمين على الصحيفة أو القناة تسويق التخريب وصاحبه وكأنهما عملا وطنيا جديرا بالدعم والثناء ، فيكفي القول هنا أنه وبمجرد افساح المجال لمخرب يتمنطق ترسانة سلاح كي يطلق تهديده للحكومة واجهزتها الامنية والعسكرية فهذا وحده لدلالة وبرهان على ان التخريب الواقع لخطوط الكهرباء والطاقة لم يكن فعلا عفويا غاضبا وفرديا بقدر ما هو فعلا منظما وممنهجا وموجها خلفه جهة نافذة ومتغلغلة في كيان دولة هش ومخترق ومفكك عراه لحد العبث الآمن والمنتظم .
وإذا كان التخريب الحاصل بات أمرا مألوفا ومدركا غايته اهداف ومكاسب سياسية ؛ فإن الارهاب وجماعاته صارا اداة طيعة بيد الطرف المستفيد من ارباك المشهد السياسي وافشال العملية الانتقالية أيا كان الثمن باهضا ومكلفا ، فمثل هذه الجرائم الفظيعة والبشعة ترتكب اليوم متزامنة مع حوادث تخريب وتقطع وخطف ومتساوقة – ايضا – مع خلافات سياسية حادة تستوجب تسجيل مواقف سياسية مؤيدة او رافضة .
فجرائم الارهاب المتزامنة مع جرائم تخريب وعبث للمنشآت والسكينة ومع تأزم سياسي بين الاطراف السياسية فيها ما يؤكد ارتباط وصلة الجهة المستفيدة من هكذا ارهاب وتخريب وفوضى ، فيكفي الاشارة هنا الى ان توظيف الارهاب ورقة طالما تم استغلالها وفي اوقات مختلفة .
ربما أنكم مازلتم تتذكرون حادثة استهداف المنشآت النفطية قبيل يوم او يومين من انتخابات الرئاسة 2006م ، كان ضحية الجريمة مرشح المعارضة الراحل فيصل بن شملان ومرافقه الشخصي علي الذرحاني الذي قبع في محبسه زمنا لتبرأه المحكمة من تهمة الارهاب وهي التهمة التي لصقت به مذ ابراز صالح لصورته بقصد النيل من خصمه القوي بن شملان .
في الامس القريب تم السيطرة على محافظة ابين ومن ذات الجماعات الارهابية المطلق عنانها مع كل أزمة خانقة ، وبعد أن اطلقت على نفسها جماعة انصار الشريعة واعلنت أبين امارة وولايات اسلامية انتقلت الى مناطق أخرى في شبوه وحضرموت والبيضاء أثر حرب شنها الجيش وكانت كلفتها كارثية ومدمرة مازالت ماثلة حتى يومنا .
وبعد ان اخفقت كجماعة هدفها نصرة الشريعة ؛ عادت لعرجونها القديم " تنظيم القاعدة " مستهلة هجماتها بعشرات الجثامين المهلكة في ميدان السبعين وقبل يوم واحد فقط من اول حفل وطني يتصدره الرئيس الجديد يوم 22 مايو 2012م لتتوالى بعدها جرائم القتل في صنعاء وعدن وابين وحضرموت وشبوه والبيضاء والقائمة مرشحة للمزيد ما بقي الارهاب والتخريب وسيلة ناجعة لرضوخ فرقاء الفعل السياسي وما بقي الجميع غير مكترث بما يجري من حوله من جرائم فظيعة تستوجب التعاطي معها بجدية ومسؤولية ، فما من جريمة تخريب أو ارهاب إلا وينبغي معرفة الجهة المستفيدة منها