عندما يكذب الصحفي فقد خان أمته، وخرق شرف المهنة، وأساء إلى عالم الكلمة، وحنث بالقسم، ما يستوجب الاحتقار والازدراء، ويتوجب على النقابة التي ينتسب إليها أن تعمد إلى معاقبته، وإسقاط عضويته، في حالة إصراره على مزاولة الكذب، وتكرار جريمته مرة بعد مرّة، دون وازع من ضمير أو رادع من دين، ودون الامتثال إلى ميثاق النقابة، الذي يحتم الالتزام بصدق الكلمة، وتوخي الحقيقة، وسلوك منهج الحياد الإيجابي تجاه الأطراف المختلفة.
قد يخطئ الصحفي في التحليل، وقد تخونه الدقة في نقل المعلومة، وقد يلتبس عليه الأمر، وقد يقع في فخ التضليل أو الاستغلال أو الاستغفال أحياناً، فهذا أمر ممكن ويقع فيه معظم الناس، وقد تجد له بعض العذر، مع أن الصحفي ينبغي أن تسعفه الخبرة والتجربة من الوقوع المتكرر في مصائد المغفلين، وإذا وقع مرة، يجب أن يكتسب الحذر من أن يلدغ من الجحر الواحد مرة تلو المرة، ولكنه لا يعذر عندما يغرق نفسه في بحور الكذب!!
ما أشير إليه هنا هو ذلك الصحفي الذي يكذب ويتحرى الكذب، ويمارس تكرار الكذب ،ويتعمد الإساءة المصحوبة بسبق الإصرار والترصد، ويعيد الكذبة نفسها حتى بعد انكشافها وبيان زيفها إلى الجمهور، ثم لا يتوارى عن القوم، ولا يشعر بأدنى درجات الحياء من الظهور على صفحات الجرائد المحلية والخارجية، ويعيد إخراج الكذبة وتدويرها عبر شكل آخر وبثوب جديد، ثم يتصدر المجالس ويشارك بالندوات عبر مداخلات تقطر زوراً وبهتاناً.
بعض الصحفيين يستحق الاحترام حتى لو كان مختلفاً معك إلى حد التناقض في الرأي والموقف والتحليل، وبعضهم يمارس قدراً من العلمية والموضوعية أثناء نقل الأخبار والتعليق على الأحداث وتحليل المواقف، يجعله أهلاً للمهنة، وأهلا لأمانة حفظ مواثيقها، والانتساب إلى عالم الكلمة الصادقة وشرفها، وبعضهم يخاطر بنفسه وينال مرتبة الشهادة، وهو يحاول نقل الصورة الحقيقية، وقد يتعرض للإصابة والاغتيال، من أجل مشاهدة الحدث بنفسه، ونقل ذلك إلى الناس بمهنية عالية، فمثل هؤلاء شرف للمهنة وشرف للأمة، وشرف للعالم كله، ونحن مدينون لهم بالتقدير والإجلال والوفاء وحسن الثناء.
أمّا أولئك الذين جعلوا من أنفسهم أعداءً للحقيقة، وخصوماً للمنهج العلمي والموضوعي، وغرقوا في مستنقع الكذب وتشويه الحقائق! فهؤلاء لا يستحقون الاحترام،كما يجب إبعادهم عن هذه المهنة تحديداً، ويجب إحداث تحالف شعبي من اجل مقاطعتهم، والتعاون على كشفهم، وبيان خطرهم على عالم القيم، ومن أجل حماية الوطن من أثرهم الهدام، ووقاية الأجيال من داء التزوير ولوثة الكذب التي تنخر في البناء الإنساني، وتسيء إلى جوهر الكرامة الآدمية.
هناك من يستخف في هذا الموضوع ويقول إن الكذب أصبح جوهر السياسة، وعمدة العمل الصحفي والإعلامي، وأصبح من يعمل بهذه المجالات لا بدّ أن يتلوث بالكذب ويعتاد على الكذب، فهذا قول مرفوض، ولا يقبله عقل ولا دين، ويرفضه المنطق الإنساني كله، ولا يمكن أن يكون الكذب مقبولاً عند الأسوياء، ولا مشروعاً إلّا في عالم الشياطين.
نحن أمة تفتخر بكتابها وقرآنها الذي يقول بهذا الشأن، ((يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم))، ويقول: ((مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)) ويقول نبيها العربي: «المؤمن لا يكذب»، ولا يزال المرء يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، ومن هذا المنطلق لا يجوز التهاون مع الكاذب قدر طرفة عين، بخاصة إذا كان في عالم الصحافة وفي مجال الإعلام،القائم على امانة الكلمة الصادقة،والمستأمن على نقل الحقيقة.