أمام كل حالة شعبية أو حدث أمني او سياسي تنصب لعنات اليمنيون على ساستهم جميعا ، أولئك المتصدرين للمشهد السياسي والمحنطين منذ عقود فكيف يراد أن يرسموا ملامح مستقبل اليمن وهم جزأ من مشاكله ، وكيف يتحاورن بطريقة التفاوض وليس الحوار بنوايا إستباقية سيئة كان يفترض بداهة أن الحوار العقلاني لا يتعدى سقف الثوابت في الوحدة الوطنية وخلع القناعات الجاهزة والأيدلوجيات المتنافرة خارج أبواب قاعة التفاوض ، وعدم الدخول في الحوار بعقلية الإقصاء والتهميش والتعالي على الآخر ، لقد انطلق الحوار منذ نحو تسعة أشهر وهى المدة الكافية لتكوين جنين ، ولكن جنين الدولة المدنية في اليمن لن تخرج حتى ملامحها وخطوطها العريضة ، فكيف نحلم ونعلق ألآمال بدولة مدنية بعقلية الساسة الذين عبثوا باليمن لعقود مضت ، في شماله وجنوبه ومن كل ألوان الطيف السياسي جميعهم بدون استثناء من أقصى اليمين إلى إقصاء اليسار ، دخلوا وحدة ارتجالية وكان يفترض التدرج أما اليوم فالعكس غير صحيح فكيف يجزأ وطن باسم المظلومة والتنمية فإذا كان الساسة قد وضعوا مقدمات خطاء فبداهة ستكون النتائج على هذا المنوال خطاء من الإلف إلى الياء ، وهو الحال نفسه للمبادرة الخليجية فأين ساستنا وخبراء القانون من توقيع اتفاقية ملغمة جعلت لمن منح حصانة دورا سياسيا فقد أقصى من الرئاسة وليس السياسة فغدا متفرغا لإثارة المتاعب(للأيادي الأمينة)!
تبا لأمة تمجد جلادها ، وتجيير كل أخطاء الماضي لحكومة جائت على أنقاض جبال من العبث والفساد والفوضى ويراد منها حل كل مشاكل اليمن بضربة سحرية ، وتبا لساسة أصيبوا بهوس السلطة حتى آخر رمق في حياتهم .. ألا يكفي أن الوطن غدا مرهونا للخارج الأجنبي ، وغدا حظيرة للأمريكان وسواهم وتعبث بأجوائه الطائرات بدون طيار ، والتي ارسي دعائمها النظام السابق ، ولا زلنا نتحمل مأسيه وحماقاته إلى يوما هذا .
لقد غداء المواطن اليمني يصبح على تفجير أو اختطاف ويمسى على سياسة وأعلام مشبوه ، فلا يستقي الحقائق الا من خارج أسوار الوطن فأعلامنا الرسمي والحزبي كل يغني لليلى ، فكل حزب بما ليهم فرحون ، وعله هل يحتاج اليمنيون ان يتحولون إلى محللين سياسيين ومتابعين شأن بلدهم السياسي بدلا عن الانصراف للتنمية والبناء ، أن اهتمام الرأي العام بشأن ما آلت التطور و سوء أحواله ، ليس ترفا ولا حبا في الشأن السياسي لذاته ولكنه تعبير عن حالة قلق وإرهاصات قرب الانهيار الكامل للدولة اليمنية هذا إذا افترضنا مجازا ان السلطة إحدى مكونات تلك الدولة التي غدت حلم اليمنيين منذ اكثر من نصف قرن ، لقد كانت اليمن قبل الستينيات وفي العهد الملكي في دولة لها هيبتها واحترامها ، ومنذ ان دخلت المؤسسة العسكرية وتحالفت في وقت متأخر في السبعينات مع نفوذ القبيلة تراجع حلم الدولة فلا يفلح قوم ولو أمرهم العسكر والقبيلة فالدولة المدنية تصطدم بأسوار القبيلة الحصينة ، اللافت والمؤسف حقا بأن مسيرة التنمية والاقتصاد تتراجع بصورة مخيفة بينما تحولت السياسة في اليمن الى مصدر رزق فقد نصح احدهم ابنه ألا يدرس الطب ولا الهندسة لأنه لن يجد عملا ، عليه ان يتجه للسياسة ويحتمي بالقبيلة ويلقى دعما من جهة قبلية وعسكرية وإعلامية كي يبدأ يمارس نشاطه فالسياسة ليست غاية وإنما وسيلة ، الغموض هو سيد الموقف لدى المتابع والمراقب فمن لغز حاثة العرضي إلى طلاسم وألغاز الهبة الحضرمية , ولسان حال اليمنيون نريد عزل سياسي للجميع لأنهم باختصار فاشلون في إيجاد حلول لمشاكلنا بل أنهم لم يقروا بضرورة قيام دولة مدنية فكلا من هذه العناصر تنطلق من أيدلوجية مغايرة للاكثرية الصامتة بدأ من صعدة وحتى الى من ينادي بالانفصال ، وما بينهما نفوذ تحالفات العسكر والقبيلة ورأس المال ، ومن هنا فكل من في المشهد السياسي الفاعلون الأساسيون يفترض تواريهم عن المشهد ويتركون لأصحاب الثورة الشعبية أن يكون لهم دورا مشاركا وليس المتفرج اللبيب . أحلم بمبادرة عالمية تخرج جميع اللاعبين في المشهد السياسي أو على الأقل اغلبهم ممن يتمشدق بالبندقية وبيده السلطة والنفوذ والمال ويلوح ب (فوبيا الحرب الأهلية) ، مع إننا نعيش هذه الأجواء ولو بصورة تدريجية ، بطريقة (الموت الرحيم )ويطياح بأصنام العبث والتأمر ومن يعرقل حلم اليمنيون في دولة مدنية .