في اليمن شرعنة جديدة لتأميم المؤمم والمنهوبات

2013/06/26 الساعة 09:46 مساءً

في اوائل السبعينات من القرن المنصرم عرف الجنوب اليمني او اليمن الديمقراطي قوانين التأميم الشهيرة والمؤلمة والتي اضرت بالوضع الاقتصادي للجنوب ولكن ما يميز مرحلة التأميم تلك هو انها صدرت بقانون وأستفاد منها الكثير من ابناء الجنوب والشمال كما استفادت الدولة بتملك مؤسسات تجارية وصناعية وغيرها … وشابت عملية تطبيق مخالفات غير قانونية حيث اعتبرها بعض الأفراد فرصة للأنتقام الشخصي والطبقي مما انعكس سلباً على بعض الملاك الصغار التي لم تشر لها او تذكرها تلك القوانين وظل التأثير السلبي لتلك القوانين قائماً حتى يومنا هذا رغم قرارات التعويض الرئاسية التي صدرت خلال العقود الأربعة السابقة كونها اهتمت فقط ببعض من أصحاب الأملاك الكبيرة والمقربة من دوائر النفوذ والحكم والقوة.

 

 

وفي ما يسمى العهد الوحدوي تمت صياغة الدستور الذي يحرم تأميم الممتلكات الخاصة وأيضاً العامة ولعمري الخمسيني ودراستي العلمية وقراءتي للحركة الاقتصادية العالمية لم أجد في اي دولة تتجه لتأميم مساكن عامة لأفراد بسطوا بالقوة على املاكها وبأسعار بخس بينما الدولة تعاني عجزاً في تملك مبان بل وتجتهد في خططها الاقتصادية لتشييد المباني والمساكن … في اليمن فقط يتم ذلك وبما يخالف الدستور … والسؤال الملح اليوم هو لماذا اليوم بالذات يتم شرعنة البسط والنهب رغم ان ديننا يحرم مثل تلك الأمور؟ وهل كل اليمن مبان ومساكن حكومية أم ان الهدف هو شرعنة لما تم في الجنوب من فيد للمؤسسات العامة والخاصة بعد حرب 1994م الظالمة والمؤلمة ؟ فبعد تلك الحرب تم البسط الممنهج للمؤسسات العامة وتحويلها الى مساكن خاصة وحرموا الحكومة من ملكيتها كما تم البسط ايضاً على الممتلكات الخاصة وسعوا بكل الطرق الى تملكها امام صمت حكومي ان لم يكن برضائها وموافقتها كمكافأة وأستحقاق لشركاء الحرب والنصر المزعوم … وأمام ثورة الشعب الجنوبي السلمية وتشكيل قضيته العادلة والمعترف بها من قبل الجميع وبعد تنحي علي عبدالله صالح عن السلطة وانتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً لليمن عكف الأخير على أصدار قرارات رئاسية لمعالجة قضايا الأراضي والمؤسسات العامة المنهوبة بقوة السلطة والنفوذ وكذلك بمعالجة قضايا الكادر العسكري والمدني الجنوبي المقصي بقوة السلطة والأنتقام السياسي والمناطقي وبقرارات رسمية أصدرها ما يسمى المنتصرون أوالفاتحون حتى بدأ بعض الناهبون بتغيير سياساتهم وتصبح عمليات الفيد شرعية ولكن بقوة القانون.

 

 

الجنوب كان يمتلك مؤسسات متنوعة وملكية كاملة متنوعة الأهداف والتخصصات وبعد تلك الحرب أصبحت تلك المؤسسات بما فيها مراكز شبابية وتعاونية وصناعية وادارية وتجارية ودور ضيافة حكومية خارج نطاق ملكية الدولة وكأنها لا تنتمي الى اليمن أو ان الجنوب مجرد محطة تجارية عابرة أو مزرعة خاصة ضاعت لسنوات ثم عادت لأصحابها ونسوا انهم صدعونا ليل ونهار بحبهم لوحدة اليمن بينما الحقيقة تقول انهم لم يحبوا الوحدة إلا بعد تلك الحرب كونهم وجدوا مصالحهم الخاصة في الجنوب أرضاً ومؤسسات وثروةً بل وأنساناً

 

وإذا بحكومة الوفاق الوطني وفي أجتماعها الأخير صباح 19 يونيو 2013م تقر بيع المساكن العامة بما يخالف الدستور ويبدو ان هناك أشياء مخفية في القرار ستشرعن ملكية المباني العامة التي تم الاستيلاء عليها بكل الوسائل والطرق منذُ يوليو 1994م فهل يعقل ذلك في الوقت الذي يتحدث فيه الناس على ضرورة حل القضية الجنوبية أم ان هناك تصورات أخرى ومخفية ترفض اي حلول ولو كانت حقوقية فما بالنا لو كانت حلولا سياسية وقانونية وتاريخية ومادية فكيف سيكون الحال على مجمل الوضع في الجنوب من جهة واليمن من جهة اخرى؟.

 

وللرئيس وحكومة الوفاق الوطني نقول لهم : ألم يكن وفي ظل هذه الظروف التي يمر بها اليمن ان تجتهدوا في معالجة قضايا التعويض لقرارات التأميم السبعينية وكذلك قضايا الجنوب لما بعد حرب 1994م ؟ الم يكن من الواجب الوطني والأخلاقي والانساني أن يتم المحافظة على ممتلكات الدولة وممتلكات الأفراد والألتزام بالدستور بدلاً من التخلص منها محاباةً لقوى وشخصيات متنفذة تربحت من المال العام بطريقة مخالفة لكل القوانين والأعراف الأنسانية والشرائع السماوية أم ان الجنوب مباح سداح مداح لكل من هب ودب على حساب الشعب ومكوناته العامة والخاصة؟

 

ثم كيف ستكون معالجاتكم لبعض من تفاصيل القضية الدنوبية وهل معالجاتكم تتطلب تثبيت وشرعنة البسط والنهب المنظم والعشوائي أم ان تلك الشرعنة ستساعد معالجاتكم في التنفيذ والتحقيق العادل أم ماذا؟

 

فخامة الرئيس هادي ودولة الرئيس باسندوة بصراحة القرار غير واضح المعالم والأهداف المرجوة منه ونتمنى ان يكون واضحاً والأسباب والدوافع التي ادت الى اصداره وفي هذا الوقت الحرج لكم وللجنوب ولليمن وللحوار الوطني الحالي ولكل جهد يبذل هنا وهناك لتهيئة الاجواء المحلية والأقليمية والدولية لحلحلة قضايا وازمات اليمن الشائكة بما فيها القضية الجنوبية… لازال الوقت امامكم لمراجعة ذلك القرار والغائه وكأن شيئاً لم يكن وإلا سيكون من حق اصحاب الأملاك الكبيرة والصغيرة العامة والخاصة أستخدام مختلف انواع القوة لإستعادة أملاكهم خصوصاً وان الحكومة لم تف بالتزاماتها وقرارتها في تعويضهم بشكل عادل ويا ليتها بقيت في حوزة الدولة والشعب … وإذا كان لا بد من ذلك القرار فلماذا لا تستخدم تلك المؤسسات والمباني وكذلك الأراضي كتعويضات لأصحاب تلك الأملاك المؤممة وهو تعويض لايمكن ان يقارن بما عانوه من متاعب مادية ونفسية وتاريخية واجتماعية لمدة أربعة عقود كاملة .

 

 فأين هي العدالة الأنسانية والقانونية واين نحن من شريعتنا الأسلامية والحكمة التي نتغنى بها ليلاً ونهاراً؟

هذه التساؤلات نابعة من معاناة شخصية رغم تمسكنا بأن الحق لايضيع ولو بعد الف عام وليس مئة عام بعد تمسكنا بقدرة الله على أنصافنا وانصاف كل مظلوم في اي مكان وأي زمان ولذا وجب القول ان مثل تلك القرارات تزيد الأمور تعقيداً في كل المسارات بل وتثقل كاهل الأجيال القادمة التي ينبغي ان يعمل الجميع على تحقيق العدالة والمساواة والحرية بدلاً من تلقي لعناتهم ونحن في القبور من دون عقارات ولا قصور ولا اموال ولا ذهب .

 

 فأعذرونا ان تطاولنا عليكم وتدخلنا في قراراتكم التي لم ولن تكون عادلة لو صممتم على تنفيذها … أعذرونا ان قلنا لكم اننا لازلنا نعاني من عدم الانصاف ولكننا لازلنا على أمل في تحقيق العدالة لنا ولكل مظلوم … وأعذرونا ان كنا لازلنا متمسكين بالأمل في تحقيق العدالة ونتمنى ان تكون في عهدكم لا في عهد غيركم.