نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا مطولا عن الصراع التركي- الإماراتي، وشارك في إعداد التقرير مراسل الصحيفة في لندن أندرو إنغلاند ولورا باتل في إسطنبول، وسايمون كير في دبي.
في بداية التقرير البداية أشار المراسلون إلى موقف تركيا من اتفاق التطبيع مع إسرائيل الذي وصفه الرئيس رجب طيب أردوغان بالنفاق، وأشاروا إلى أن موقف تركيا الناقد والشاجب جاء مع أنها كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل قبل سبعة عقود.
وكانت تركيا إلى جانب إيران الدولتين اللتين شجبتا الاتفاق، مع أن موقع طهران كان متوقعا فهي لا تعترف بالدولة اليهودية. وتقول الصحيفة، إن الإمارات حاولت تلطيف الأجواء مع إيران من خلال التأكيد أن الاتفاق لا علاقة له بها، وإنما محاولة لخفض التصعيد معها. ولكنها فتحت جبهة جديدة مع تركيا.
وتابعت الصحيفة إلى أن الأشهر العشرة الأخيرة شهدت اتهامات واتهامات مضادة تبادلها الطرفان، دولة عربية قريبة من الولايات المتحدة، وأخرى عضو في حلف الناتو، وتردد صدى النزاع من ليبيا إلى منطقة القرن الأفريقي وزادت من التوتر في منطقة القرن الأفريقي.
ويعتقد المسؤولون الأتراك والإماراتيون أن التطبيع مع إسرائيل هو جزء من تعميق التحالف ضد أنقرة، واستعراض تأثيرها مع زيادة حمّى التنافس
وقال إيميل هوكاييم الخبير بالشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية “إنه النزاع الذي بات يحدد السياسات الآن في الشرق الأوسط”. وأضاف: “هذه المنافسة يتم لعبها بشكل مفتوح وعبر جماعات وكيلة وستجذب لكل طرف لاعبين دوليين”.
ويعتقد المسؤولون الأتراك والإماراتيون أن التطبيع مع إسرائيل هو جزء من تعميق التحالف ضد أنقرة، واستعراض تأثيرها مع زيادة حمّى التنافس. ونقلت الصحيفة عن المحلل الإماراتي عبد الله عبد الخالق قوله: “بعد الاستماع للتهديدات من المسؤولين الأتراك.. فيساعد بالطبع أن يكون لديك حلف مع إسرائيل” زاعما أن التهديدات “سرعت” من الصفقة.
وأضاف: “تشترك بالمعلومات الأمنية وتكون جزءا من تحالف كبير والمفهوم مهم مثل الواقع”. وتشير الصحيفة إلى أن التهديدات التي يتحدث عنها عبد الله نبعت من التدخل التركي في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
فقبل نشر تركيا أنظمة الدفاع والمقاتلين السوريين، كانت قوات أمير الحرب المارق خليفة حفتر في صعود مستمر بسبب شحنات الأسلحة الضخمة من الدولة الخليجية حسبما يقول مسؤولو الأمم المتحدة والدبلوماسيون.
ولكن القوة الجوية التركية حيّدت التفوق الجوي لحفتر وأنهت محاولته للإطاحة بحكومة طرابلس، وأجبرت قواته على التراجع السريع، وعرّضت طموحات أبو ظبي في ليبيا للخطر، خاصة أن النزاع فيها أثار مخاوف من حرب إقليمية في جنوب البحر المتوسط.
وبعد ضرب طائرة لم يتم الكشف عن هويتها قاعدة عسكرية ليبية كان تعمل منها القوات التركية، حذّر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بأنه بلاده ستحاسب الإمارات “في المكان والوقت المناسبين”. واتهم الدولة الخليجية بأنها تدعم المستبدين بالمنطقة وترتكب أفعالا ضارة وتدعم الإرهابيين المعادين لتركيا.
وفي الجانب الآخر، تتهم أبو ظبي أردوغان بمتابعة وهم إمبريالي، ودعم الجماعات الإسلامية وإقامة محور مع قطر معاد لها. وهناك اعتقاد أن قطر، منافستها وعدوتها تقدم الدعم المالي لمساعدة أردوغان كي يقدم نفسه زعيما للسنة في العالم.
وفي مقال كتبه أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي بالصحيفة الفرنسية “لوبوينت” في شهر حزيران/ يونيو، جاء فيه: “على تركيا الإجابة على عدة أسئلة في محاولاتها طويلة الأمد وبالتعاون مع قطر والإخوان المسلمين لزرع الفوضى في العالم العربي وباستخدام تفسير منحرف للإسلام كغطاء”.
وفي الوقت الذي يقود فيه ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد الحملة ضد تركيا وتأثيرها في المنطقة، إلا أن حفتر تدعمه مصر وروسيا، وهددت القاهرة بنشر قوات في ليبيا هذا العام. وفي الأسبوع الماضي فرضت السعودية حظرا فعليا ضد المنتجات التركية، بشكل أكد التوتر بينها وبين أنقرة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي قوله: “لو نظرت إلى التطورات في المنطقة فقد انتقلت تركيا إلى نقطة بارزة، فهم في كل مكان” أي الأتراك. وأكد أن إيران لا تزال التهديد الأكبر للمملكة “لكننا نرى الأمور تزداد سوءا” وأضاف أن “تدخل أردوغان في ناغورني قره باغ مثير للقلق، ليس لأن النزاع متعلق بنا، ولكنه إشارة عن التوجه الذي يسير إليه” أردوغان.
وتعلق الصحيفة أن ليبيا كانت النقطة التي كشفت عن النزعة العدائية بين الطرفين، لكنها تراكم لعداء طويل تقف خلفه خلافات أيديولوجية وسياسات خارجية مغامرة. فالإمارات التي لا يزيد عدد سكانها الأصليين عن مليون نسمة، ولكنها من أثرى دول المنطقة، ولطالما لعبت دورا فوق طاقتها. فمنذ الربيع العربي عام 2011، أنفقت الإمارات مليارات الدولارات لدعم حلفائها في المنطقة كمساعدات وعقود تجارية ودعم عسكري.
وبحسب معهد “أمريكان إنتربرايز” وصل حجم الاستثمار الإماراتي الأجنبي في كل من إثيوبيا وباكستان ومصر إلى 87 مليار دولار منذ 2011. وتقول الخبيرة بالمعهد كارين يانغ: “استخدمت الإمارات الاستثمار والدعم بشكل مستمر وبطرق مباشرة أكثر من أي دولة خليجية وأصبح سياسيا بشكل متزايد”.
وفي الوقت الذي حاول فيه محمد بن زايد توسيع التأثير الإماراتي، قام أردوغان بزيادة تأثير بلاده. ويقول مايكل ستفينز من المعهد الملكي للدراسات المتحدة: “في كل مرة ترى نشاطا إماراتيا تجد في مقابله نشاطا تركيا بطريقة غير متوفرة لإيران”.
وفي العام الماضي، قال أردوغان إن عدد السفارات التركية في دول أفريقيا قد زاد من 12 إلى 42 سفارة على مدى الـ15 عاما الماضية. وتوسع التأثير التركي قريبا من الإمارات، ففي 2017 قامت أنقرة بنشر سريع لقواتها في قطر بعد فرض السعودية والإمارات الحصار على الدوحة.
وفي العام نفسه افتتحت أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج بالعاصمة الصومالية مقديشو، حيث تتنافس أبو ظبي مع أنقرة للتأثير في منطقة القرن الأفريقي. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وقعت تركيا اتفاقية دفاع مشترك مع الكويت، وعمقت علاقاتها في الحديقة الخلفية للخليج، في وقت كانت السعودية تواجه أسوأ أزمة دبلوماسية منذ عقود في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول. وفي تغريدة كتبها هذا الشهر قرقاش وصف الوجود العسكري في الخليج بأنه “طارئ” ولام قطر وتركيا على “سياسة الاستقطاب”.