بيروت- تتزايد المخاوف في لبنان بالتزامن مع اشتداد المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية من جهة، والتهديدات باندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل من جهة أخرى، وانعكس هذا الحال بشكل كبير على الساحة الإعلامية، التي شهدت زيادة ملحوظة في الأخبار والتقارير التي تحمل في طياتها مخاطر التحريض وزعزعة الأمن في البلاد.
كما انتشر في الأيام الأخيرة العديد من الأخبار المزيفة أو الملفقة، أو التي تدور في فلك التهويل والتضليل، مثل ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أنباء منسوبة إلى وزيرة الخارجية الكندية تفيد بنية بلادها إجلاء رعاياها من لبنان، لكن السفارة الكندية في بيروت نفت ذلك في اتصال مع مراسل الجزيرة.
كما تم تداول العديد من الأخبار حول سحب مجموعة من الدول الغربية سفراءها من لبنان، ليتبين أن غالبية هذه الأخبار غير صحيحة، وجاءت في إطار الضغط على لبنان ضمن الحرب الإعلامية الجارية.
وفي تصريح سابق، حذر وزير الإعلام اللبناني في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري من انتشار مثل هذه الأخبار، وأوضح في تغريدة له على منصة "إكس" قائلا: "إن هذه الأخبار كاذبة، وتندرج ضمن إطار الحرب النفسية التي يلجأ إليها العدو الإسرائيلي ويغذيها بمختلف الوسائل"، وفق وصفه.
وانتشرت تقارير متعلقة بمرافق حيوية في لبنان تشير إلى استخدامها لأغراض غير معلنة، وهو ما يجعلها عرضة لأن تصبح أهدافا للجيش الإسرائيلي، حيث نشرت صحيفة "تلغراف" البريطانية تقريرا حول وجود أسلحة يخزنها حزب الله في مطار بيروت الدولي.
من جانبه، أكد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، عدم صحة هذا التقرير ووصفه بـ"السخيف"، وفند تفاصيله وأكد أنه سيقوم برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة، وقام بدوره بتفقد مطار بيروت ودعا السفراء المعتمدين ووسائل الإعلام إلى جولة ميدانية غدا الاثنين.
كما أعلن اتحاد النقل الجوي في لبنان في بيان له أنه "يحمّل هذه الوسائل الإعلامية ومن ينقل عنها ويروج أضاليلها كامل المسؤولية عن سلامة العاملين في مطار بيروت بكامل منشآته".
وعلق المحلل السياسي إبراهيم حيدر على تقرير "تلغراف" معتبرا أنه يندرج في إطار حملات مرتبطة بالداخل اللبناني تقودها وسائل إعلام غربية، وقال: "كان واضحا في التقرير الاتهامات التي وُجهت لإيران بأنها تصدر أسلحة عبر المطار، هذا تحول خطير، ويثير إشاعات حول لبنان، بغض النظر عن الدعم الإيراني لحزب الله".
واعتبر المحلل أن هناك حربا إعلامية على لبنان تتعلق بإطلاق الشائعات، ويستشهد -للجزيرة نت- بما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية من أخبار زائفة وكاذبة، كمغادرة عدد من السفراء الأوروبيين أو رعايا دول أخرى، معتبرا أن هذه الأخبار ترتبط بشكل أو بآخر بالتهديدات الإسرائيلية باجتياح لبنان تحت عنوان "ضرب حزب الله".
ويعتقد حيدر أن هذه الحرب تمهد لأجواء أن "الحرب القادمة قد تكون تدميرية"، ويرى أنها محاولة أيضا لإثارة المخاوف في الداخل اللبناني وممارسة ضغوط على الناس الذين تضررت مصالحهم، بما في ذلك النازحون من المناطق الحدودية، رغم المساعي الأميركية المستمرة لوقف التصعيد التي لم تحقق أي تقدم في التهدئة.
ويفسر المحلل السياسي هذه الضغوط بتصعيد "الحرب التدميرية الإسرائيلية" وتنفيذ الاغتيالات، بينما يقوم حزب الله بالمقابل بالاستمرار بحملاته وعملياته، وكان آخرها مقطع فيديو "الهدهد"، الذي أكد فيه أنه جاهز لأي مواجهة كبرى مع الجانب الإسرائيلي.
تشرح الأستاذة الجامعية في كلية الإعلام كلوفيس البويز للجزيرة نت المقصود بالحرب الإعلامية وتقول إنها ترتكز على التضليل والإشاعات بهدف التلاعب بالرأي العام وقناعاته، "واليوم تعد تغطية وسائل الإعلام التي تنقل تطورات الميدان ذات أثر أشد قتلا من الرصاص إذا ما توخت الدقة والمهنية".
وعن دور الإعلام الحربي تقول إن مهامه دقيقة جدا "لأن مجريات الميدان ليست بمتناول الصحافيين ولا المراسلين الذين يعتمدون على مصادر عسكرية وسياسية لنقل وقائع الميدان" حسب قولها.
وتحدثت الدكتورة البويز عن الوكالات العالمية والمحطات الإعلامية الأوروبية والأميركية أنها "في أغلبها منحازة لجانب إسرائيل، حيث تصوّر لبنان في موقع الضعيف المغلوب على أمره، وإسرائيل بموقع القوي المنتصر، بغض النظر إن كانت هذه هي الحقيقة أم لا".
وتساءلت الأستاذة الجامعية عن موقف وسائل الإعلام اللبنانية، مؤكدة أنه لو كانت هناك خطة إعلامية منظمة أو تعاون بين مختلف هذه المؤسسات لتمكنت من القيام بحرب مضادة تعزز صورة لبنان أمام وسائل الإعلام الغربية.
لكنها تستدرك بالقول إن بعض القنوات اللبنانية "تذهب بعيدا في تبني هذه الصورة" حسب وصفها، وتؤكد على أهمية رسالة الإعلام وضوابطه المهنية والقانونية، بما فيها عدم زعزعة الأمن القومي وخلق الشرخ والفتنة، من خلال تبني موقف يساند لبنان في حال الجلوس على طاولة المفاوضات في المرحلة المقبلة، وتجنب اتخاذ موقف معارض أو مؤيد للحرب.
ولم يقلل المحلل السياسي أمين قمورية من خطورة الوضع الحالي، ولم يستبعد احتمال الوصول إلى حرب شاملة، إلا أنه يعتبر أن الضغط الإعلامي والنفسي حاليا أكبر بكثير من التحركات العسكرية واللوجستية على الأرض.
ويقول قمورية للجزيرة نت إن هناك حربا إعلامية ونفسية قاسية تُمارس على لبنان منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في غزة، حيث "كانت هناك محاولة كبيرة لإبعاد لبنان وغيرها من الساحات عن المشاركة مع الفلسطينيين في رد العدوان، لذلك تمارس كل أنواع الضغوط الدبلوماسية والسياسية والإعلامية".
ويستشهد بالحديث الدائر خلال الأيام الماضية وتصاعد الحملة الإعلامية المترافقة بتهويل دبلوماسي ورسائل من كافة الأطراف بأن "الحرب على الأبواب، وأن لبنان سيُدمر مثلما دُمرت غزة إذا لم تتراجع المقاومة".
ويعتبر قمورية أن "المقاومة ردت بالمثل" وشنت بدورها حملة إعلامية وحربا نفسية، وأنها قادرة على الرد بالعمل الدبلوماسي والإعلامي مثلما ردت بالعمل العسكري، معتبرا أيضا أن هذا الأمر تجلى في فيديو "الهدهد" الذي يعتبر جزءا من الحرب الإعلامية والنفسية الجارية، "وقد حقق الفيديو هدفه داخل الأوساط الإسرائيلية" حسب المحلل.