الرئيسية - تقارير - الصحفي “عبدالرقيب الهدياني”الذي خطط الإنتقالي اغتياله .. القلم الذي استعصى على “التقسيم” (حوار)

الصحفي “عبدالرقيب الهدياني”الذي خطط الإنتقالي اغتياله .. القلم الذي استعصى على “التقسيم” (حوار)

الساعة 09:30 مساءً (هنا عدن : متابعات )

 


كتب المقدمة: فؤاد العلوي



أعد الحوار لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري

وأنأ أقرأ إجابات الصحفي “عبدالرقيب الهدياني” على تساؤلات “يمن ديلي نيوز” حول ماكشفته تحقيقات النيابة الجزائية في عدن عن محاولات اغتياله المتكررة، أدركت ماذا يعني أن تكون صحفيا تنتمي لمحافظة “الضالع” مسقط رأس “المجلس الانتقالي الجنوبي” وتحمل هم وطن بمساحة 500 ألف كيلو متر.

يحمل “الانتقالي الجنوبي” مشروع تقسيم اليمن، بينما يحمل الصحفي “الهدياني” هم اليمن الكبير، هم النظام الجمهوري، هم الشرعية المتصادمة مع التقسيم والتطييف، والخذلان؛ وحتى مع ذاتها، ولك أن تتخيل صحفيا بهذا التشبع من اليمن يعيش في بيئة ترى خصمها اليمن.

يقول الهدياني ردا على سؤال حول سبب محاولات اغتياله المتكررة: “أنا لست زعيم حزب ولا زعيم ميليشيا، ولا أشكل خطرًا مباشرًا على أحد أنا رجل مسالم، أنا إنسان صحفي، كل ما أملكه هو صوتي وقلمي ورأيي”.

صحيح أنك لست زعيم مليشيا، أو زعيم عصابة، لكنك في هذا الحوار القصير زعيم الحرف والكلمة، وأنت تدرك تماما أن البدء كانت الكلمة، وليس غريبا أن يكون الصحفي الحقيقي في كل العصور هدفا للخائفين من تصرفاتهم، فما بالك بأن يكون ذلك الصحفي “عبدالرقيب الهدياني”.

جاءت فكرة هذا الحوار من تحقيقات النيابة في عدن مع عصابة اغتيالات متهمة بارتكاب جرائم اغتيال علماء وخطباء ونشطاء خلال الأعوام الماضية، والتي أظهرت أن الصحفي “الهدياني” كان يشكل صيدا ثمينا لهذه العصابة التي حاولت أكثر من مرة إسكات قلمه وصوته.

في سرديات النيابة الجزائية خلال جلسة محاكمة في 28 يناير/كانون الماضي بعدن أظهر أحد المتهمين “محمد الدعري” ندمه أنه لم يتمكن من اغتيال الهدياني قائلا: “عبد الرقيب الهدياني ماشي معلومات مضبوطة عليه، والا والله لندخل له إلى البيت، معنا كمن طحطوح لكن ماشي يقولوا أين الأماكن اللي يوجد بها”.

ليس ذلك وحسب بل قال خلال اعترافاته وبكل جرأة: “الهدياني لو أنا داري أينوه والله أني ادخل له للبيت، وجلست جمب بيته بسمع عليه إذا هو موجود.

في هذا الحوار تحدث الصحفي “الهدياني” عن محاولات اغتياله، لكن اليمن في حديثه كانت أكبر من محاولات الاغتيال.. وأكبر من معاناة التشرد التي يعيشها بسبب حبه لبلده اليمن الذي يعيش مرحلة من البؤس والشتات منذ اجتاحت جماعة الحوثي العاصمة صنعاء في 2014.

ليس شخصيا

كانت الأسئلة محدودة وتركزت حول ماكشفت عنه تحقيقات النيابة الجزائية في عدن، والبداية من هدف اغتياله.. لماذا أرادوا اغتيالك؟ يسأل “يمن ديلي نيوز” الهدياني الذي رد قائلا: “السؤال يجب أن يتوجه إلى القتلة ومن يقف وراءهم ومن جاء بمخطط الاغتيالات.

الموضوع ليس شخصيًا، أو يتعلق بالذين يجري محاكمتهم اليوم، إنما الموضوع هو من وجه هؤلاء؟ ومن جاء بالمرتزقة من الخارج؟

أنا لست زعيم حزب ولا زعيم ميليشيا، ولا أشكل خطرًا مباشرًا على أحد أنا رجل مسالم، أنا إنسان صحفي، كل ما أملكه هو صوتي وقلمي ورأيي. فلماذا يتم اغتيالي؟ أنا الذي يجب أن أسأل.

يواصل: نحن في بلد ندعي أننا نعيش فيه هامش ديمقراطي، وإن لم يكن ذلك ممكنا في ظل هذه الحرب. ولكن لماذا يكون الصحفي وأصحاب الرأي وأصحاب الوسائل السلمية هدفًا لهؤلاء القتلة والمجرمين؟ أي خطر يشكله هؤلاء؟

يطلب “الهدياني” مرة أخرى من المحاور أن يتوجه بالسؤال إلى القتلة، إلى من هم وراء القتلة، إلى من جاء بمخطط الاغتيالات.. نحن نعرف أن الموضوع ليس شخصيًا، وليس موضوع شخص من الأسماء الواردة أو الذين يتم محاكمتهم اليوم، الموضوع هو من وجه هؤلاء؟ ومن جاء بالمرتزقة من الخارج؟

يتابع: هناك شركات جاءت ومارست الاغتيالات في عدن، باعتراف موقع “بازفيد نيوز” الأمريكي، بتوثيق تقارير مؤسسات صحفية كبرى عالمية. فلماذا قام هؤلاء بهذه الاغتيالات؟ اغتيال صحفيين، إعلاميين، سياسيين، مسؤولين عن جمعيات خيرية، عمل إنساني. لماذا هذا العبث؟ وما الذي جنوه؟ وما هي النتيجة؟ وما هي المكاسب السياسية التي جنوها؟ النتيجة لا شيء!!!

عندما استمعت إلى اعترافات هؤلاء المتهمين الذين يحاكمون اليوم أمام المحكمة الجزائية المختصة بجرائم الإرهاب في عدن، وقبلها عندما كنت أسمع وأتابع، كنت أعيش مثل غيري من المسالمين الذين وُضعوا على القوائم وشعروا بالخطر في هذه المحافظات.

وقال: المحافظات الأولى التي حررها التحالف كان يفترض أن تكون نواة للدولة والنظام والقانون والأمن والاستقرار للناس، لكن للأسف، أسقطنا هذه المحافظات بين قوسين “المحررة” في هذا الواقع، ولا زالت حتى اليوم لم ترَ مشروع الدولة، لم ترَ الأمن والاستقرار.

هل هذه بلدي؟

اعترافات “الدعري” التي استعرضتها النيابة العامة أظهرت إصراره على اغتيال الهدياني، حتى وهو تحت التحقيق لولا أنه لم يعثر عليه، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل عما شعر به الهدياني” وهو يقرأ اعترافات “الدعري”.

يقول: شعرت بالخوف، شعرت بالرعب، شعرت بالمأساة، شعرت بالحزن، شعرت بالصدمة. هل هذه بلدي؟ هل هذا وطني؟ هل هذه عدن، عدن المسالمة؟! هل هذه الضالع؟ الضالع التاريخ؟ تسقط في يد مجموعة قتلة ومجرمين ومراهقين.

ينتقل الهدياني للحديث عن المشاعر التي كانت تنتابه وهو يودع أصدقائه وزملائه وأحبائه في حوادث اغتيالات. كنا نصحو على عملية اغتيال وننام على عملية اغتيال أخرى في عدن وفي الضالع وفي محافظات أخرى.

موقف يصعب اختزال واصفه، واقع سيء جدًا عشناه بخوف ورعب، وأكثر من ذلك عاشه أهلنا وأحباؤنا وجميع الناس الذين يعرفوننا. عاشوا هذا الرعب وما ترتب عليه من نزوح وتشرد وفقداننا لمصادر رزقنا.

يواصل متسائلا: أصبحت مشردًا في وطنك، لماذا؟ لأن لديك رأيًا، لأنك قلت رأيًا في سياق النظام والقانون والدولة وفي سياق مايرفعه التحالف. عانينا الكثير، تألم أحبابنا وحزن ذوي الضحايا… حزنوا كثيرًا، ترملّت نساء، تيتم أطفال. الموضوع كبير جدًا وأملنا كبير في أن ترى البلد النور وأن يتغير هذا الحال.

نحن الذين تشردنا وعانينا نتيجة محاولات الاغتيال، وكل فئات الشعب تضررت من هذا الواقع. ندفع اليوم ثمنًا باهظًا نتيجة غياب الدولة، التي غُيبت عن المشروع الوطني الكبير. واليوم غاب المشروع الوطني الذي يلتف حوله كل اليمنيين.

مكونات طارئة

يتابع “الهدياني” حديثه: جاءت هذه المكونات الطارئة لتملأ الفراغات التي تركها المشروع الوطني الكبير، بداية بالانقلاب في صنعاء، ثم من صنع الانقلابات الأخرى في عدن وفي بقية المحافظات، من ضرب الحكومة الشرعية، من عطل المؤسسات، من غير وهندس هذا الواقع المنحرف الذي تعيشه المحافظات المحررة منذ عشر سنوات تقريبًا.

الآن، بعض المحافظات منذ عشر سنوات، لم ترَ الاستقرار. من غيّب المشروع الوطني؟ من أدخل هذه المحافظات في هذه الفوضى، هو ينتقم من كل اليمن ومن كل اليمنيين. ولذلك نحن اليوم ندفع الثمن. نحن دفعناه بالخوف، والتشرد، والإرهاب، وانتظارنا للموت في أي لحظة.

البعض عانى من التشرد، وآخرون عانوا الوضع المعيشي البائس، وكل الشعب عانى نتيجة هذا الواقع غير الطبيعي.

“الهدياني” لم يبرئ تحالف دعم الشرعية مما يجري في عدن والمحافظات التابعة للحكومة.. مضيفا بأن اليمن اليوم أصبحت تتقاسمها تشكيلا عسكرية متعددة.. تقسيم، تفكيك، تمزيق البلد. مشددا على أن هذا الواقع فرض من الخارج.

وبرأي “الهدياني” فإن الحل هو أن يتحرك المشروع الوطني، مشروع اليمن الكبير، وهو ملاذ لكل اليمنيين. انظر حال اليمن في المحافظات المحررة، انظر حال الجنوب، انظر حال عدن، انظر حال أبين، انظر حال شبوة. واقع سيء. هذا الواقع لا يرضى به أحد ولن يقبله أحد. الحل هو أن يتحرك المشروع الوطني الكبير، وأن يعيد التحالف حساباته في اليمن أو يبحث عن طريق آخر.

المعين بالقرار

وردا على الجهة التي تقف وراء الاغتيالات ومحاولات اغتياله قال الصحفي الهدياني متسائلا: من يقف وراء هؤلاء الأفراد الذين تحدثوا بشكل واضح؟ ويجيب: يمكننا العودة إلى جلسات المحاكمة، حيث تم ذكر قيادات كانت تقف على رأس الأمن في عدن، وعلى رأس قوة مكافحة الإرهاب.

اليوم تم تثبيتهم بقرارات جمهورية – في إشارة إلى شلال شائع الذي أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي “رشاد العليمي” قرارا بتعيينه رئيسا لجهاز مكافحة الإرهاب. مردفا: ما يسمى اليوم جهاز مكافحة الإرهاب كان هو من يقوم بالإرهاب، وهو من يقوم بالقتل. ومن كان يدير هذا الجهاز؟ تحت سلطة من كان على رأسه، ومن كان يشرف عليه؟ فالموضوع والسؤال واضح.

وأنت تقرأ وتتابع بعض الاعترافات لهؤلاء المتهمين الذين يحاكمون اليوم، كما في الجلسة 16، ترى أنهم غير مكترثين بالجرائم التي ارتكبوها، بل وحزينين لأنهم لم ينفذوا المطلوب منهم كما ذكر المتهم في موضوعي أنا.

تعبئة خاطئة

ما سبب ذلك إذا لماذا هم حزينين؟ يسأل “يمن ديلي نيوز”.. الهدياني: هناك من عبأ هؤلاء تعبئة خاطئة، أن قتل هذا الصحفي أو ذلك السياسي يخدم قضيته. وهناك من أوهمهم أن قتل الصحفيين أو هؤلاء السياسيين أو تلك الجمعية التي تقدم عملًا خيريًا للناس، أن قتلهم فيه مصلحة لقضيتهم واستعادة دولتهم في الجنوب.

تعبئة خاطئة، شحن خاطئ، وتفكير منحرف وعنف وإرهاب. هذا الذي جعل هؤلاء يعتقدون أن القتل نضال، وأن استهداف هؤلاء السياسيين أو الصحفيين أو المخالفين مباح. غرروا بهؤلاء الشباب الذين كانوا يخططون، وكان لديهم أهداف أخرى: تعطيل حركة تحرير اليمن، إعاقة الدولة، تعطيل المؤسسات، ضرب الأمن، ضرب الاستقرار، تعطيل الحياة.

ولذلك لم يمارسوا فقط الاغتيالات بل حاربوا المؤسسات، حاربوا الدولة، واجهوا الرئيس، واجهوا الحكومة. فهم في مواجهة مع الجميع، مع الكل، مع الاستقرار، مع البلد، مع الناس.. القتل لم يقتصر حتى على تيار سياسي واحد، كما يقولون، سواء للإصلاح أو غيره. والقتل طال حتى من في الانتقالي.

وصلت الاغتيالات إلى الداخل نفسه، ومن المؤتمر، ومن التيارات الأخرى، ومن السلفيين، ومن الجميع. القاتل الأعمى ودورة الدم خطيرة لا يمكن التحكم بها.

فما حصل أن هذه المحافظات دخلت في دوامة من الفوضى والعنف والخوف والرعب والإرهاب.

يختتم الصحفي الهدياني حواره بهذه التساؤلات: هذا ما حدث، فمن كان يمارسه؟ من كان يقوم بهذه الأعمال؟ من كان يشرف عليه؟ من كان يوفر الغطاء الأمني لهذه الجرائم؟ هي الأجهزة التي كانت تتحكم في تلك المحافظات.