في مدينة العند الصغيرة، حيث يكافح الناس لتأمين قوت يومهم، تعيش امرأة استثنائية تُدعى صينية محسن هادي. تبلغ من العمر سبعين عامًا، لكنها تمتلك عزيمة تفوق السنوات التي مرت بها، تعمل بلا كلل أو ملل لتأمين لقمة العيش لأسرتها الكبيرة، متحدية بذلك صعوبات الحياة وقسوتها.
صينية ليست امرأة عادية، فهي بمثابة رجل في جسد امرأة، تتحمل المشاق وتؤدي أعمالًا اعتاد الرجال القيام بها، فمنذ بزوغ الفجر تبدأ يومها في الاحتطاب وجمع الطين لصناعة الفخاريات، تصنع التنور والمجامر والمكانس بيديها المتعبتين، لتبيعها في السوق المحلي، أحيانًا تعود محملة بالأمل والرزق، وأحيانًا تعود بخيبة الأمل عندما لا تجد من يشتري منتجاتها.
رغم آلامها الجسدية ومرضها الذي ينهك قواها، إلا أن صينية لم تتوقف يومًا عن العمل. لم تنتظر معونة أحد، ولم تلجأ إلى طلب المساعدة، بل وضعت نصب عينيها هدفًا واحدًا هو أن توفر لقمة العيش لأسرتها وأحفادها، وأن تحميهم من قسوة الحاجة، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فالوالدة صينية لم تكن فقط امرأة عاملة، بل أصبحت رمزًا للمجتمع، ملجأً للمحتاجين إلى المشورة، وحكيمة يُستشار رأيها في حل النزاعات الأسرية، يطرق بابها الجيران وأهل المدينة عندما تتعقد الأمور بينهم، فتجلس بحكمتها وتجربتها الطويلة لتحل مشاكلهم بحكمة وهدوء، لتصبح بذلك مصلحة اجتماعية بجانب كونها عاملة وكادحة.
تحظى صينية بمحبة واحترام الجميع في المدينة، فهي امرأة شريفة ومثابرة، تكافح رغم كل الصعوبات، لكن حياتها ليست سهلة فهي تعيش في منزل متواضع، بعضه مبني من الطين، بلا سور يحميه، وقد تعرضت للسرقة حيث فقدت بطاريتها التي كانت تمدها بالنور في ظلام الليل، مما زاد من صعوبة حياتها.
يقول الناشط المجتمعي هاني الرفاعي: "الوالدة صينية هي رمز للكفاح، إنها تعمل بجد وإصرار في صناعة الفخاريات وتحسين مستوى عيش أسرتها. رغم قساوة الحياة لم تستسلم، بل ظلت صامدة قوية، مؤدية أعمالًا شاقة يعجز عنها بعض الرجال".
أما شقيقتها ربشة محسن، فتقول بفخر: "صينية ليست مجرد أخت، بل هي قدوة لنا جميعًا. إنها تعمل بعرق جبينها، لا تفكر في نفسها بل تفكر في أسرتها وكيف تؤمن لهم لقمة العيش".
من جانبه، دعا علي الرفاعي، أحد وجهاء مدينة العند، فاعلي الخير إلى تقديم المساعدة للوالدة صينية، لإعادة تأهيل منزلها وتوفير ما تحتاجه لمواصلة كفاحها، فهي امرأة تستحق كل دعم، فقد ضحت بوقتها وصحتها لتأمين حياة كريمة لأسرتها.
إن قصة صينية محسن ليست مجرد قصة امرأة عاملة، بل هي قصة صمود وكفاح ودرس في التضحية، ورمز لقوة الإرادة. إنها تجسد الروح الحقيقية للمرأة القوية، التي رغم كل الصعوبات، لم تتخلَّ يومًا عن مسؤولياتها، بل ظلت تكافح من أجل مستقبل أفضل لمن تحب.