ثنائية الوحدة والانفصال في اليمن ثنائية غريبة وتحتوي من السريالية على أكثر مما تحتوي من الحقائق والوقائع التاريخية المقروءة.
من أكثر المشاهد سريالية أن الانفصاليين الحقيقيين هم اليوم أكثر من يرفع شعارات الوحدة ويهدد بالويل والثبور كل من يشير إلى مساوئ (الوحدة القائمة) أو يقول عنها ولو لفظا يشير إلى ما يسيء فيها، بينما يفعلون هم (الانفصاليين الحقيقيين) من الأفعال كل ما يدنس الوحدة المزعومة ويلطخ معانيها ويلوث فيها كل الأبعاد والمضامين وقد ظل هؤلاء في سلوكهم وفكرهم وقناعاتهم وممارساتهم وطوال عقدين من الزمن يمارسون الانفصال بأقبح صوره وهم يتباكون على الوحدة ويذرفون عليها دموع التماسيح، بينما الوحدويون الحقيقيون هم المتهمون اليوم بالانفصال، والكثير من الذين ينادون اليوم بالانفصال لم يقوموا في أي يوم بأي سلوك يدل على انفصاليتهم، اللهم إلا المناداة باستعادة حقوق يقر لهم بأحقيتها خصومهم قبل أصدقائهم.
غضب مني العديد من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي قبل سنوات عندما كنت أقول لهم، وهم ينادون برفض (الوحدة) ويتفاخرون بــ(انفصاليتهم) : لماذا تنافسون الانفصاليين الحقيقيين على انفصاليتهم وتدعون سلوكا ليس فيكم ولا أنتم قادرون على تحقيقه، بينما الانفصالي الحقيقي يمارس الانفصال بأبشع صوره ويتظاهر بالوحدوية زيفا وزورا وبهتانا؟
باختصار شديد (الوحدة) و(الانفصال) أو بالأصح (الوحدوية) و(الانفصالية) في اليمن ليست شعارات ترفع أو كلاما يقال، إنها سلوك وممارسة وعمل وقبل هذا قناعات وأفكار وأخيرا مصالح وحقائق تمارس على الأرض وقد أثبت أدعياء الوحدوية حقيقة انفصاليتهم بامتياز.
أعرف أحد (الوحدويين جدا) استولى على مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي الزراعية والسكنية في الجنوب ولم يدفع حتى رسوم تسجيل الملكية، واستحوذ على عشرات التوكيلات التجارية والاستثمارية، ومعه فضلا عن ذلك عشرات القصور والمنشآت والمصالح الاستثمارية التي أنشأها من المنهوبات الجنوبية، ولم يوظف في كل شركاته ومؤسساته جنوبيا واحدا أو جنوبية واحدة، وهو يعلن تمسكه بالوحدة واستعداده للدفاع عنها بكل موظفيه، وكلأنصاره الشماليين والجنوبيين.
وأعرف مناضلا جنوبيا قاتل في صنعا وفي مناطق شمالية شتى منذ 1962م حتى العام 1967م ، ثم عاد إلى عدن ليعمل موظفا حكوميا، وبعد 1994م احتل وظيفته الحكومية أحد الوافدين مع 7/7م ممن لم يعرفوا عدن ولا أي منطقة جنوبية إلا بعد ذلك التاريخ المشئوم، ومع ذلك كلما ذهب (مناضل الستينات) لمحاولة العودة إلى عمله يرفض لأنه انفصالي، . . .من هو الانفصالي الحقيقي من الأثنين؟ ألم أقل لكم أن ثنائية الوحدوي والانفصالي تحتمل أكثر من معنى وتستدعي أكثر من تأويل؟
* * * *
لم أكن أتمنى على الزميل والصديق د عبد العزيز بن حبتور رئيس جامعة عدن أن يحول جامعة عدن إلى مؤسسة دعائية لسياسات هي محل اختلاف بين اليمنيين جميعا في الشمال والجنوب، وغالبا هي محل رفض في الجنوب، ولست أدري لماذا يصر زميلنا، ورئيس جامعتنا على أن يلدغ من الجحر مرتين وربما ثلاثا وأربع؟؟
في العام 2008 وبمناسبة السابع عشر من يوليو،(ذكرى استيلاء علي عبد الله صالح على الحكم في اليمن الشمالي) أقام الزميل حبتور ندوة بعنوان "الوفاء والعرفان لصانع الوحدة والديمقراطية" وكما هو واضح من العنوان لم تبحث الندوة أزمة البيئة وانتشار الأوبئة في عدن، ولم تناقش ظاهرة الضعف الدراسي لدى الخريجين، أو ضعف مستوى اللغة العربية عند حملة شهادات الدكتوراه، ناهيك عن استحالة الوقوف أما آخر الاكتشافات العلمية في ميكانيكا الكم أو علم الوراثة أو حتى كيفية توطين الشعور بالانتماء الوطني عند الأجيال الجديدة من وجهة نظر علمية صحيحة، بل كرست لدراسة فكر "الزعيم الرمز" ودوره التاريخي، ولست أدري ما هي الاكتشافات العلمية التي توصلت إليها الندوة.
وفي العام 2011م وعندما كان علي عبد الله صالح قد قتل الآلاف من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي واعتقل منهم الآلاف وثكل من الأمهات من ثكل ورمل من الزوجات من رمل ويتم من الأطفال من يتم، وبعد أن التهمت حروبه على صعدة عشرات الآلاف من جنوده ومن الطرف الآخر وحينما كانت قواته وقوات أولاده وأولاد إخوانه تقتل الشباب والشابات في صنعا وتعز وإب والحديدة وغيرها سلمت جامعة عدن تحت رئاسة الزميل بن حبتور الرئيس علي عبد الله صالح درع التسامح والتصالح "تقديرا وعرفانا لدوره في ترسيخ وتكريس هذا النهج الإنساني خلال مسيرته القيادية الحكيمة لليمن" كما ورد في قرار منح الدرع.
ليت جامعة عدن تكرس ندواتها لظاهرة انتشار الكراهية في المجتمع اليمني وتنامي نزاعات الثأر، وانتشار الأسلحة وتجارة الممنوعات، أو ليتها تكرس ندوة لتحليل ظاهرة انتشار الإدمان بين أبناء عدن ومحافظات الجنوب، أو لماذا يهرب المستثمرون من اليمن وما أسباب هجرة الرأسمال اليمني، وليتها تقيم دورات تدريبية لتعليم دكارترتها أبجديات الإملاء وقواعد اللنحو والصرف العربية، التي هي شرط من شروط حصول الأساتذة على الألقاب العلمية في الجامعات العربية المحترمة.
للأسف الشديد تكرر جامعة عدن أخطاء السنوات القريبة المنصرمة باستبدال دورها العلمي والبحثي والأكاديمي بممارسة مهمات هي من صلب مهمات الأحزاب السياسية التي لها منابرها وأدواتها الدعائية، ولها رؤاها وايديولوجياتها التي قد لا يتفق معها آخرون بمن فيهم أساتذة وأكاديميون من جامعة عدن وكل المؤسسات الأكاديمية الأخرى.
ما تعرضت له الناشطة الجنوبية الشابة أنسام عبد الصمد في قاعة جامعة عدن، لم يكن نزاعا شخصيا بينها وبين موظف بمكتب المحافظ أو شرطة نسائية أو مجموعة موظفين أو رجال أمن في جامعة عدن، ما جرى هو نتيجة طبيعية لعقليات تدعي زورا "الديمقراطية، واحترام الرأي الآخر" لكنها تضيق ذرعا بفتاة تضع على رأسها قبعة تحمل علم الجنوب الذي هو في أقل الأحوال رمزا لمرحلة تاريخية محترمة من التاريخ اليمني القريب، ولمجرد أنها رفعت يديها بنقطة نظام، . . نقطة نظام صامتة، لم تستخدم يديها ولا أظافرها ولا حتى صوتها لإحداث البلبلة (كما ورد في بيان جامعة عدن)، بل طلبت نقطة نظام، لكن الزملاء الذين كانوا يقولون أن الوثيقة التي يتحدثون عنها هي وثيقة كل اليمنيين قد استبعدوا من قائمة اليمنيين أنسام وأكثر من ألف ناشط جنوبي بينهم أساتذة جامعيون كانوا عند بوابة الجامعة لم يسمح لهم بالدخول للمشاركة في الندوة وقول ما لديهم بشأن الوثيقة موضوع الندوة ناهيك عن ملايين الجنوبيين الذين رفضوا أصلا المشاركة في الحوار الذي أنتج هذه الوثيقة.
الزميل حبتور يخرج نفسه من ورطة ليدخل في ورطة أكبر منها، وهو أمر يستدعي الأسف الشديد. . .لم يعد من الممكن لجامعة عدن أن تظل منصة للترويج لقرارات "الزعيم الرمز" سواء كان هذا الرمز هو علي عبد الله صالح أو عبدربه منصور أو وحيد رشيد أو أيا كان.
الجامعة مهمتها البحث في القضايا العلمية المعقدة ودراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية المستعصاة، واستقراء مسار الأحداث المستقبلية من وجهات النظر السيسيولوجية والفلسفية والاقتصادية وعلم المستقبليات، لكن ليس من مهمتها الترويج لسياسات زعيم معين فإذا فشل انتقلت للترويج لسياسات زعيم آخر، لأن السياسات قابلة للنجاح والفشل كما هي قابلة لأن تصيب او تخطئ أما العلم الذي هو الوظيفة الرئيسية للجامعة فمهمته توطين المعرفة وتنمية المهارات وتعظيم القيم وحل المشكلات الوطنية الكبيرة، وشتان بين هذين النوعين من "المهات".
برقيات:
* ليس من المصادفة أن تكتض منصة جامعة عدن بممثلي تحالف 1994م، إنهم يتقاتلون في صنعاء وعمران، وفي تعز وأرحب، لكنهم في عدن يتوحدون ويقفون صفا واحدا متماسكين ومتآزين حتى لو كانوا في مواجهة فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر كل سلاحها قبعة، ونقطة نظام.
* ارتعدت فرائص القائمين على ندوة تدشين "التوعية بقرارات مؤتمر الحوار الوطني" من فتاة تكلل رأسها بعلم الجنوب، وتطلب نقطة النظام، ترى كيف كان سيكون موقفهم لو أن الألف جنوبي الذين اعتصموا أمام بوابة الجامعة دخلوا فقط ليقولوا رأيهم في موضوع التدشين؟؟
* يقول الشاعر اليمني الكبير عبد الله عبد الوهاب نعمان:
يا أُمَتِي أَيْنَ أَحلامِي؟ وكَيْفَ أَرَى فِيْكِ النَّظِيْـــفُ رَفيِقُ السَّيئِ النَّطِفِ
وكَيْفَ أَشْـهَـدُ فِيْكِ الصِّدْقَ مُفْتَقِداً صِدْقَ المَعَايِيْــــرِ والتَّميِيْزِ والنَّصَفِ
وكَيْفَ يَصْحَـبُ فِيْكِ الفَجْرُ غُرَّتَهُ ليلَ المــَغَــــاوِرِ والأَنْفَاقِ والجُرُفِ
فَرَشْتُ للنَّاسِ وِدْيَانَ الَحِرْيِر نَدَىً فَرَاحَ يُــذْرَى عَليها يَــابِسَ العَلَفِ
ثنائية الوحدة والانفصال في اليمن ثنائية غريبة وتحتوي من السريالية على أكثر مما تحتوي من الحقائق والوقائع التاريخية المقروءة.
من أكثر المشاهد سريالية أن الانفصاليين الحقيقيين هم اليوم أكثر من يرفع شعارات الوحدة ويهدد بالويل والثبور كل من يشير إلى مساوئ (الوحدة القائمة) أو يقول عنها ولو لفظا يشير إلى ما يسيء فيها، بينما يفعلون هم (الانفصاليين الحقيقيين) من الأفعال كل ما يدنس الوحدة المزعومة ويلطخ معانيها ويلوث فيها كل الأبعاد والمضامين وقد ظل هؤلاء في سلوكهم وفكرهم وقناعاتهم وممارساتهم وطوال عقدين من الزمن يمارسون الانفصال بأقبح صوره وهم يتباكون على الوحدة ويذرفون عليها دموع التماسيح، بينما الوحدويون الحقيقيون هم المتهمون اليوم بالانفصال، والكثير من الذين ينادون اليوم بالانفصال لم يقوموا في أي يوم بأي سلوك يدل على انفصاليتهم، اللهم إلا المناداة باستعادة حقوق يقر لهم بأحقيتها خصومهم قبل أصدقائهم.
غضب مني العديد من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي قبل سنوات عندما كنت أقول لهم، وهم ينادون برفض (الوحدة) ويتفاخرون بــ(انفصاليتهم) : لماذا تنافسون الانفصاليين الحقيقيين على انفصاليتهم وتدعون سلوكا ليس فيكم ولا أنتم قادرون على تحقيقه، بينما الانفصالي الحقيقي يمارس الانفصال بأبشع صوره ويتظاهر بالوحدوية زيفا وزورا وبهتانا؟
باختصار شديد (الوحدة) و(الانفصال) أو بالأصح (الوحدوية) و(الانفصالية) في اليمن ليست شعارات ترفع أو كلاما يقال، إنها سلوك وممارسة وعمل وقبل هذا قناعات وأفكار وأخيرا مصالح وحقائق تمارس على الأرض وقد أثبت أدعياء الوحدوية حقيقة انفصاليتهم بامتياز.
أعرف أحد (الوحدويين جدا) استولى على مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي الزراعية والسكنية في الجنوب ولم يدفع حتى رسوم تسجيل الملكية، واستحوذ على عشرات التوكيلات التجارية والاستثمارية، ومعه فضلا عن ذلك عشرات القصور والمنشآت والمصالح الاستثمارية التي أنشأها من المنهوبات الجنوبية، ولم يوظف في كل شركاته ومؤسساته جنوبيا واحدا أو جنوبية واحدة، وهو يعلن تمسكه بالوحدة واستعداده للدفاع عنها بكل موظفيه، وكلأنصاره الشماليين والجنوبيين.
وأعرف مناضلا جنوبيا قاتل في صنعا وفي مناطق شمالية شتى منذ 1962م حتى العام 1967م ، ثم عاد إلى عدن ليعمل موظفا حكوميا، وبعد 1994م احتل وظيفته الحكومية أحد الوافدين مع 7/7م ممن لم يعرفوا عدن ولا أي منطقة جنوبية إلا بعد ذلك التاريخ المشئوم، ومع ذلك كلما ذهب (مناضل الستينات) لمحاولة العودة إلى عمله يرفض لأنه انفصالي، . . .من هو الانفصالي الحقيقي من الأثنين؟ ألم أقل لكم أن ثنائية الوحدوي والانفصالي تحتمل أكثر من معنى وتستدعي أكثر من تأويل؟
* * * *
لم أكن أتمنى على الزميل والصديق د عبد العزيز بن حبتور رئيس جامعة عدن أن يحول جامعة عدن إلى مؤسسة دعائية لسياسات هي محل اختلاف بين اليمنيين جميعا في الشمال والجنوب، وغالبا هي محل رفض في الجنوب، ولست أدري لماذا يصر زميلنا، ورئيس جامعتنا على أن يلدغ من الجحر مرتين وربما ثلاثا وأربع؟؟
في العام 2008 وبمناسبة السابع عشر من يوليو،(ذكرى استيلاء علي عبد الله صالح على الحكم في اليمن الشمالي) أقام الزميل حبتور ندوة بعنوان "الوفاء والعرفان لصانع الوحدة والديمقراطية" وكما هو واضح من العنوان لم تبحث الندوة أزمة البيئة وانتشار الأوبئة في عدن، ولم تناقش ظاهرة الضعف الدراسي لدى الخريجين، أو ضعف مستوى اللغة العربية عند حملة شهادات الدكتوراه، ناهيك عن استحالة الوقوف أما آخر الاكتشافات العلمية في ميكانيكا الكم أو علم الوراثة أو حتى كيفية توطين الشعور بالانتماء الوطني عند الأجيال الجديدة من وجهة نظر علمية صحيحة، بل كرست لدراسة فكر "الزعيم الرمز" ودوره التاريخي، ولست أدري ما هي الاكتشافات العلمية التي توصلت إليها الندوة.
وفي العام 2011م وعندما كان علي عبد الله صالح قد قتل الآلاف من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي واعتقل منهم الآلاف وثكل من الأمهات من ثكل ورمل من الزوجات من رمل ويتم من الأطفال من يتم، وبعد أن التهمت حروبه على صعدة عشرات الآلاف من جنوده ومن الطرف الآخر وحينما كانت قواته وقوات أولاده وأولاد إخوانه تقتل الشباب والشابات في صنعا وتعز وإب والحديدة وغيرها سلمت جامعة عدن تحت رئاسة الزميل بن حبتور الرئيس علي عبد الله صالح درع التسامح والتصالح "تقديرا وعرفانا لدوره في ترسيخ وتكريس هذا النهج الإنساني خلال مسيرته القيادية الحكيمة لليمن" كما ورد في قرار منح الدرع.
ليت جامعة عدن تكرس ندواتها لظاهرة انتشار الكراهية في المجتمع اليمني وتنامي نزاعات الثأر، وانتشار الأسلحة وتجارة الممنوعات، أو ليتها تكرس ندوة لتحليل ظاهرة انتشار الإدمان بين أبناء عدن ومحافظات الجنوب، أو لماذا يهرب المستثمرون من اليمن وما أسباب هجرة الرأسمال اليمني، وليتها تقيم دورات تدريبية لتعليم دكارترتها أبجديات الإملاء وقواعد اللنحو والصرف العربية، التي هي شرط من شروط حصول الأساتذة على الألقاب العلمية في الجامعات العربية المحترمة.
للأسف الشديد تكرر جامعة عدن أخطاء السنوات القريبة المنصرمة باستبدال دورها العلمي والبحثي والأكاديمي بممارسة مهمات هي من صلب مهمات الأحزاب السياسية التي لها منابرها وأدواتها الدعائية، ولها رؤاها وايديولوجياتها التي قد لا يتفق معها آخرون بمن فيهم أساتذة وأكاديميون من جامعة عدن وكل المؤسسات الأكاديمية الأخرى.
ما تعرضت له الناشطة الجنوبية الشابة أنسام عبد الصمد في قاعة جامعة عدن، لم يكن نزاعا شخصيا بينها وبين موظف بمكتب المحافظ أو شرطة نسائية أو مجموعة موظفين أو رجال أمن في جامعة عدن، ما جرى هو نتيجة طبيعية لعقليات تدعي زورا "الديمقراطية، واحترام الرأي الآخر" لكنها تضيق ذرعا بفتاة تضع على رأسها قبعة تحمل علم الجنوب الذي هو في أقل الأحوال رمزا لمرحلة تاريخية محترمة من التاريخ اليمني القريب، ولمجرد أنها رفعت يديها بنقطة نظام، . . نقطة نظام صامتة، لم تستخدم يديها ولا أظافرها ولا حتى صوتها لإحداث البلبلة (كما ورد في بيان جامعة عدن)، بل طلبت نقطة نظام، لكن الزملاء الذين كانوا يقولون أن الوثيقة التي يتحدثون عنها هي وثيقة كل اليمنيين قد استبعدوا من قائمة اليمنيين أنسام وأكثر من ألف ناشط جنوبي بينهم أساتذة جامعيون كانوا عند بوابة الجامعة لم يسمح لهم بالدخول للمشاركة في الندوة وقول ما لديهم بشأن الوثيقة موضوع الندوة ناهيك عن ملايين الجنوبيين الذين رفضوا أصلا المشاركة في الحوار الذي أنتج هذه الوثيقة.
الزميل حبتور يخرج نفسه من ورطة ليدخل في ورطة أكبر منها، وهو أمر يستدعي الأسف الشديد. . .لم يعد من الممكن لجامعة عدن أن تظل منصة للترويج لقرارات "الزعيم الرمز" سواء كان هذا الرمز هو علي عبد الله صالح أو عبدربه منصور أو وحيد رشيد أو أيا كان.
الجامعة مهمتها البحث في القضايا العلمية المعقدة ودراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية المستعصاة، واستقراء مسار الأحداث المستقبلية من وجهات النظر السيسيولوجية والفلسفية والاقتصادية وعلم المستقبليات، لكن ليس من مهمتها الترويج لسياسات زعيم معين فإذا فشل انتقلت للترويج لسياسات زعيم آخر، لأن السياسات قابلة للنجاح والفشل كما هي قابلة لأن تصيب او تخطئ أما العلم الذي هو الوظيفة الرئيسية للجامعة فمهمته توطين المعرفة وتنمية المهارات وتعظيم القيم وحل المشكلات الوطنية الكبيرة، وشتان بين هذين النوعين من "المهات".
برقيات:
* ليس من المصادفة أن تكتض منصة جامعة عدن بممثلي تحالف 1994م، إنهم يتقاتلون في صنعاء وعمران، وفي تعز وأرحب، لكنهم في عدن يتوحدون ويقفون صفا واحدا متماسكين ومتآزين حتى لو كانوا في مواجهة فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر كل سلاحها قبعة، ونقطة نظام.
* ارتعدت فرائص القائمين على ندوة تدشين "التوعية بقرارات مؤتمر الحوار الوطني" من فتاة تكلل رأسها بعلم الجنوب، وتطلب نقطة النظام، ترى كيف كان سيكون موقفهم لو أن الألف جنوبي الذين اعتصموا أمام بوابة الجامعة دخلوا فقط ليقولوا رأيهم في موضوع التدشين؟؟
* يقول الشاعر اليمني الكبير عبد الله عبد الوهاب نعمان:
يا أُمَتِي أَيْنَ أَحلامِي؟ وكَيْفَ أَرَى فِيْكِ النَّظِيْـــفُ رَفيِقُ السَّيئِ النَّطِفِ
وكَيْفَ أَشْـهَـدُ فِيْكِ الصِّدْقَ مُفْتَقِداً صِدْقَ المَعَايِيْــــرِ والتَّميِيْزِ والنَّصَفِ
وكَيْفَ يَصْحَـبُ فِيْكِ الفَجْرُ غُرَّتَهُ ليلَ المــَغَــــاوِرِ والأَنْفَاقِ والجُرُفِ
فَرَشْتُ للنَّاسِ وِدْيَانَ الَحِرْيِر نَدَىً فَرَاحَ يُــذْرَى عَليها يَــابِسَ العَلَفِ