الرئيسية - عربي ودولي - تركيا و”قوة الاستقرار”.. هل تعيد أنقرة رسم معادلات الأمن في غزة؟

تركيا و”قوة الاستقرار”.. هل تعيد أنقرة رسم معادلات الأمن في غزة؟

الساعة 04:27 مساءً



�نا عدن | متابعات
تتجه الأنظار إلى الدور التركي المحتمل في “قوة الاستقرار الدولية” المزمع تشكيلها في قطاع غزة مطلع عام 2026، وسط مساعٍ دولية لوضع إطار عملي يضمن الأمن وإعادة الإعمار بعد الحرب، ويمنع عودة الفوضى إلى القطاع.

ويبرز اسم تركيا بين الدول المرشحة للمشاركة، لما تملكه من خبرة ميدانية وقدرات عسكرية ودبلوماسية تؤهلها للعب دور محوري في هذه المهمة الحساسة.

قوة جديدة بتفويض غير مسبوق

المسودة الأمريكية التي وُزعت مؤخراً على أعضاء مجلس الأمن تقترح إنشاء “قوة الاستقرار الدولية” (ISF)، بتفويض تنفيذي كامل لمدة عامين على الأقل، مع إمكانية التمديد.
وتختلف هذه القوة عن بعثات حفظ السلام التقليدية، إذ تمتلك صلاحيات تنفيذية واسعة تشمل تأمين الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي ومصر، حماية المدنيين والمنشآت الإنسانية، وتفكيك البنى التحتية للفصائل المسلحة في غزة.

كما تشمل مهامها الإشراف على مسارات المساعدات الإنسانية، وإنشاء وتدريب جهاز شرطة فلسطيني جديد يعمل بالتنسيق مع القوة الدولية، والمساهمة في إقامة إطار مدني لإدارة القطاع بعد الحرب.
وتُرفع تقارير القوة إلى مجلس الأمن وهيئة جديدة تُسمى “مجلس السلام” (Board of Peace) ستتولى إدارة أعمال الإعمار والتنفيذ داخل غزة.

تركيا.. عنصر توازن ومصداقية

مشاركة تركيا في القوة المقترحة تُعد عاملاً محورياً في نجاحها، لما تحمله أنقرة من مكانة إقليمية مميزة وعلاقات متوازنة مع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية.
وتحظى تركيا بسجل واسع في عمليات حفظ السلام والاستقرار، من البلقان إلى الصومال، ما يجعلها شريكاً موثوقاً في تنفيذ مهام ميدانية معقدة تتطلب انضباطاً وخبرة عملياتية.

كما أن الدور التركي، بحسب محللين، قد يشكل جسراً بين البعد الدولي والبعد الإقليمي، عبر المساهمة في ضمان بيئة آمنة ومستقرة تسهّل وصول المساعدات وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
وتسعى أنقرة، من خلال المشاركة في القوة، إلى تعزيز حضورها في ملف غزة بما يخدم استقرار المنطقة ويدعم الحلول السلمية طويلة الأمد.

وقال المحلل السياسي، طه عودة أوغلو في حديث لـ “وكالة أنباء تركيا”، “أعتقد أن مشاركة تركيا في غزة تحمل العديد من الأبعاد: البُعد الأول يتعلق بالدور الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية في قطاع غزة، وأرى أن وجود تركيا على الأرض سيعمل على تَقييد هذه الهيمنة، إن لم يُحدّ منها بشكل جوهري”.

وتابع “كما أن العلاقة التركية العربية شهدت تطورًا كبيرًا في الفترة الأخيرة، ووجود تركيا، بوصفها دولةً إسلاميةً وعضوًا في حلف الناتو، يمنح الدول العربية والإسلامية هامشًا أوسع للتأثير في ترتيبات المرحلة المقبلة”.

وأضاف “ثمة بُعدٌ آخر مرتبط بالخبرة التي تمتلكها تركيا، خصوصًا في المهام الإنسانية، فقد قامت خلال السنوات الماضية بعدة مبادرات إغاثية في مناطق متعددة، وأعتقد أن وجودها في قطاع غزة يمثل فرصةً كبيرةً، بل وجسرًا لتسهيل الأعمال الإنسانية والغذائية هناك، وقد غابت تركيا، قصدًا، عن هذه المنطقة، وخصوصًا عن غزة، على مدار السنوات الماضية”.

وأشار إلى أنه “ثمة بُعدٌ آخر، وهو ما يمكن تسميته بـ (سباق النفوذ) في غزة ما بعد العدوان الإسرائيلي، كما برز في التصريحات الأوروبية والأمريكية، فإن تركيا تدرك هذه النقطة جيدًا، وترى أن وجودها الميداني سيكون سندًا معنويًّا وماديًّا للفلسطينيين، وأهالي غزة على وجه الخصوص”.

ورأى أن “ثمة سباقٌ كبيرٌ بين الدول للحضور في غزة، وهو ما يتجاوز البُعد الإنساني إلى الأبعاد السياسية والأمنية في “الزمن الذي يلي اليوم التالي”.

ومن الناحية العسكرية، تتمتع القوات التركية بخبرة طويلة في مناطق متنوعة: كـالبوسنة، وأفغانستان، وليبيا، وغيرها، وقد ساهمت دومًا في استقرار تلك المناطق،  لذا، فإن وجود تركيا عسكريًّا، حتى لو كان رمزيًّا أو استشاريًّا، من شأنه أن يعزّز الاستقرار الداخلي في قطاع غزة، فضلاً عن أن شريحة واسعة من الفلسطينيين، ولا سيما في غزة، تؤيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتتعاطف مع مواقفه الداعمة لفلسطين، حسب عودة أوغلو.

وختم أن “تحوّل تصريحات الرئيس أردوغان إلى خطوات ميدانية ملموسة، عبر دعم القضية الفلسطينية، المركزية في الوجدان العربي والإسلامي، يحمل دلالةً رمزيةً وعمليةً كبيرة، وأعتقد أن هذه الرسالة، أي الانتقال من الخطاب إلى الفعل، تُعَدّ من أبرز الدلالات السياسية والإنسانية لمشاركة تركيا في غزة.

تحضيرات وتفاهمات دولية

تضم قائمة الدول المرشحة للمشاركة في القوة سبع دول هي: مصر، قطر، تركيا، الإمارات، إندونيسيا، أذربيجان، وباكستان.
وتشير المصادر إلى أن الترتيبات ما زالت قيد النقاش بين الدول المشاركة، خصوصاً ما يتعلق بحجم القوة، وهيكل القيادة، وسلسلة اتخاذ القرار.

الولايات المتحدة، التي تقود المبادرة، تسعى إلى ضمان تفويض رسمي من مجلس الأمن يمنح القوة الشرعية الكاملة، ويحدد مهامها بدقة، فيما تؤكد الدول الإقليمية على ضرورة أن تكون المهمة محددة زمنياً وتمهّد لتمكين سلطة فلسطينية مخوّلة من إدارة القطاع.

أهمية الدور التركي في المرحلة القادمة

يرى مراقبون أن مشاركة تركيا ستمنح “قوة الاستقرار الدولية” بعداً عملياً وإنسانياً متكاملاً، كونها تجمع بين الخبرة العسكرية والالتزام الإنساني، إضافة إلى علاقاتها المتينة مع الشعب الفلسطيني.
كما يمكن لأنقرة أن تساهم في تدريب الشرطة الفلسطينية الجديدة، وفي إدارة الجوانب المدنية واللوجستية لمرحلة ما بعد الحرب، استناداً إلى تجربتها الطويلة في مناطق نزاع مشابهة.

وتبرز أهمية الدور التركي أيضاً في ضمان توازن المشاركة داخل القوة الدولية، بحيث لا تكون خاضعة لهيمنة طرف واحد، بل تعبّر عن شراكة متعددة الأطراف هدفها تحقيق الأمن والتنمية في آنٍ واحد.

وقال الباحث الفلسطيني، ماهر شاويش لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “مشاركة تركيا في أي قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة تحمل بعدين متداخلين: بعد سياسي وبعد إنساني، فمن جهة، تشكّل تركيا دولة محورية في الإقليم تملك رصيداً من التعاطف الشعبي والسياسي مع القضية الفلسطينية، ما يجعل مشاركتها، إن جاءت في إطار متوافق عليه فلسطينياً، عنصراً ضامناً لتوازن الدور الإقليمي ومنع تحويل القوة الدولية إلى أداة وصاية أو احتلال جديد بغطاء إنساني”.

وتابع “من جهة أخرى، يمكن للدور التركي أن يوفّر مظلّة حماية إنسانية حقيقية لأهالي غزة في حال كان هدف القوة حفظ الأمن وفتح المجال للإغاثة وإعادة الإعمار، لا تثبيت وقائع الاحتلال”.

وزاد بالقول “لذلك، جوهر الموضوع  لا يتوقف على المشاركة بحد ذاتها، بل على طبيعة التفويض، والإطار السياسي الذي تأتي ضمنه، ومن يملك القرار على الأرض”.

وختم قائلاً “باختصار، مشاركة تركيا قد تكون فرصة لتصحيح ميزان القوى داخل أي ترتيبات دولية مقبلة حول غزة، شرط ألّا تتحول هذه الترتيبات إلى شراكة في إدارة الحصار، بل إلى ضمانة لرفع الحصار وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره على أرضه”.

نحو استقرار مستدام في غزة

تشكّل “قوة الاستقرار الدولية” المقترحة مشروعاً مفصلياً لإعادة ترتيب الوضع الأمني والمدني في غزة، ومشاركة تركيا فيها قد تكون ضمانة حقيقية لنجاحها.
فالدور التركي لا يقتصر على المشاركة العسكرية، بل يمتد إلى دعم جهود إعادة الإعمار، وتهيئة بيئة آمنة تُمكّن الفلسطينيين من استعادة الحياة الطبيعية، وتمنع تجدد الصراع.

وبينما تتواصل النقاشات في مجلس الأمن حول تفاصيل الخطة، تبقى مشاركة أنقرة أحد المفاتيح الأساسية لنجاح القوة الدولية في مهمتها، ولتحقيق هدفها الأسمى: استقرار غزة وبناء مستقبل آمن لأهلها.
(وكالة أنباء تركيا)