الرئيسية - أخبار محلية - عصابة الظلام...من ورق نصف راتب إلى مقبرة الكرامة... منهجية جديدة لقتل الوعي

عصابة الظلام...من ورق نصف راتب إلى مقبرة الكرامة... منهجية جديدة لقتل الوعي

الساعة 07:34 مساءً



�نا عدن | مقالات
محمد العتواني
كاتب|

مليشيا لا تستحي من فسقها، ولا تغلق بابها إلا على الطمع والسيف، تواصل صنع المقابر من ورق الرواتب. هي التي جعلت من المرتب مادةً للابتزاز، ومن اسم الموظف على كشوفات الرواتب سيفاً يطعنه في عرضه؛ تُخرج الأسماء كما يُخرج الجزار قطعاً من لحمٍ يقسو عليه، فتفاجئ الناس أنهم "فائضون" ومطرودون من حق العيش،  بينما هم أبطالٌ حين قاوموا جوعاً أطول من انتظارهم لعدل سلطتكم المليشاوية.

أنتم عصابةٌ بلا وجع وبدون شرف، لصوصٌ تلبّسوا رداءَ الدين ليغطّوا به سرقتهم. سرقتم رواتب الناس وتتبجحون، لتُعلِنوا موت العلم رسمياً. توزعون قوائم الإذلال كأنها ميداليات... من فيها يُحكم عليه بالإذلال، ومن يسلب قوت الناس يُفقد حقه في أي خطابٍ أخلاقي أو وطني.

أُقصّي الأستاذ منصور من قائمة الحياة كما تُقصى زهرةٌ من حديقةٍ جفّ ريّها. تربوي، موجّه، شاعر، كاتب، ناقد، حاملُ ماجستيرٍ في شعر البردوني... فهل صار العلم عيباً؟ نعم في سلطة المليشيا أصبح العلم سلاحاً تخاف منه وأصبح المثقف خطراً عليها فهي تخاف من الوعي أكثر مما تخاف من الرصاص! إنهم يفتكّون بالمفكرين أولاً؛ لأن المفكر يخيفهم، لأن الكلمة تفضحهم، لأن الأدب يحيي العقل الذي يريدونه جثةً خاملةً يستسهلونها عبيداً لسلطتهم. منصور لم يُقتل بذبحةٍ صدرية فحسب؛ قَتَلتم فيه الأمل والحلم والدفتر.

بلا رحمةٍ أو حياء، حوّلوا المدارس إلى ساحاتٍ للعار: معلمون يسقطون جوعاً على أرضٍ كانت يجب أن تُبنى عليها أجيالٌ، تُطرد أسرٌ من بيوتها، يُسرق الفرح من وجوه الأطفال، ويُدفن المرض في صدر الوطن المنهوب. قراراتٌ مقصودة لتجويع الناس، لإطفاء نور التعليم، لإركاع العقل أمام همجية قِشورها الدينية الكهنوتية.

نصف راتب!!! بعد تسع سنوات من النهب والتجويع الممنهج؟ أيّ إنسانيةٍ تمنحونها لهذا الشعب بعد أن سرقتم كرامته؟ نصف راتبٍ = نصف إنسان. أنتم تُبرمجون الجوع كما يُبرمج فيروسٌ ليدمّر مجتمعاً.

 تلهجون بكل وقاحة دفاعاً عن سلوككم الوقح، تحت مبرر "الضرورة"، لا يوجد ضرورة لسرقة لقمة الموظف، وتحويل الحق إلى مهانة. سيقذفكم  الوطن خارج ملعب الشرف قريباً، أنتم لا تستحقّون رداءَ الدين الذي تلبسونه؛ بل رداءُ الخَسْف بالمروءة.

نصيحتي للموظف الصابر على عنجهية وجور المليشيا: لا تقف عند حدود الخوف، ولا تُطفئ مصباحك لأن الظلام يفرض قوانينه. علِّم الأجيال ولو سرّاً، أخبرهم عن حقيقة المليشيا، عن جريمةٍ تُرتكب كل يوم في حق هذا الوطن. ازرع فيهم الوعي كما تُزرع البذور في أرضٍ قاحلة، لأنهم يريدون شعباً جاهلاً يسهل قياده، وأمةً صامتة لا تسأل. قاومهم بالعلم كما يقاوم الجندي بسلاحه، فالكلمة اليوم هي رصاصتك الواعية في وجه الكهنوت، والعلم هو آخر ما تبقّى من سلاحٍ لديك في وطنٍ أرادوا له أن يسقط في ظلمة الجهل.

سنفضحكم حرفاً حرفاً، ولن نعطيكم ملاذًا في ضمير الشعب. وسنحيل أمجادكم المزيفة إلى سخريةٍ في فم الجيل القادم. قاتلوهم بالجوع؟ سيقاتلونكم بالكلمة والصبر والكرامة. إذا استيقظ الشعب ستخبو أمواج ظلامكم مهما تظاهرتم بسلطانٍ لا يزول.

في الختام: لن تنتصر مشاريع الظلام على مدى الزمن إلا إذا أمكنها قتل العلم وإذلال الكرامة. لا تندهشوا إذاً من أن تكون الضحية معلّماً أو كاتباً أو موظفاً بسيطاً؛ فهؤلاء هم رأس الحربة في معركة الوعي. من يظنّ أن القوة تُقاس بالرصاص وحده لم يفهم أن الكلمة تصنع أمماً أو تفضحها إلى الأبد.