على مدى الأيام القليلة الماضية؛ تداولت وسائل الإعلام اليمنية على نطاق واسع، تقريرا صحفيا مدعما بالوثائق،عن قيام شركة نفطية أجنبية، بضخ مبلغ نصف مليون دولار، في حصالة قاض في المحكمة العليا، مقابل قيام الأخير؛ بتفصيل حكما قضائيا على مقاسات الشركة.
ما فهمته وكثيرون، من التقرير- الذي نشر في عدة صحف ومواقع إخبارية يمنية؛ وعنونه معده الصحفي فواز منصر بـ" شركة نفطية تدفع نصف مليون دولار لقاض في المحكمة العليا مقابل إصدار حكما قضائيا لصالحها"- هو أن شبح الفساد وجد طريقا سالكا إلى أعلى هيئة في السلطة القضائية اليمنية.
لست معنيا بالطعن في نزاهة القضاء اليمني، وفي ذات الوقت، لا أستطيع الترافع عنه هنا، من خلال التشكيك في مهنية الصحفي الذي فتح هذا الملف أما لماذا؟ فها كم الإجابة.
دعكم من كون الزميل فواز منصر معد التقرير؛ يعمل مراسلا - في اليمن- لوكالة تعد مصدر معلومة لكبريات وسائل الإعلام العالمية، فهذا قد لا يبدو مبررا كافيا لهضم المعلومات التي تضمنها التقرير، قياسا برمزية الجهة المتهمة(المحكمة العليا) وأيضا لأنه يتحدث عن رشوة بمبلغ " نصف مليون دولار".
وإذ أورد هذه البديهية.. ذلك أن المادة الصحفية المشار إليها، لم تخرج عن معايير العمل الصحافي الاستقصائي، إلى ما عداها من الصيغ، كونها لم تحفل بشيء؛ مثلما حفلت بالمعلومات الدقيقة المبنية على وثائق رسمية؛ صادرة من جهات حكومية يمنية. وعند هذه النقطة تحديدا، يكون الصحفي منصر قد نجح إلى حد كبير؛ في تقديم عضو المحكمة العليا للرأي العام، متلبسا بواقعة دهس للقوانين والتشريعات الناظمة لعمل السلطة القضائية في اليمن.
وما يعزز هذه الفرضية : المعلومات التي تضمنها التقرير والوثائق المسربة إلى الصحافة، بشأن سلسلة التجاوزات التي رافقت سير إجراءات النظر في قضية خلاف مؤسسة كهرباء الزرقاء وشركة كالفالي بترو ليوم انترنيشونال انك الكندية، كفيلة بإسقاط حكومة في أي دولة تحترم نفسها وقوانينها، لكن الجهات القضائية المعنية تعاملت مع الأمر، وكأن الإعلام يتحدث عن محتجز في قسم شرطة، وضع في جيب أحد أفراد الحراسة مبلغ (500 ريال ) مقابل تسهيل هروبه عبر شباك دورة المياه !
ليس بريئا تماما أن تشتعل الصحافة اليمنية بشقيها – الورقية والالكترونية - بفضيحة رشوة وقع فيها قاض في المحكمة العليا بقيمة "500 ألف دولار" - ضعوا سطر تحت هذا الرقم خط - ومن ثم تمر القضية، وكأن شيء لم يكن !
كأي متابع توقعت – عقب خروج الفضيحة إلى الصحافة- أن يتحرك مجلس القضاء الأعلى باتجاه تشكيل لجنة تحقيق في الموضوع، أو على الأقل أن يخرج مصدر قضائي عبر أي من وسائل الإعلام الرسمي؛ يضع الرأي العام في صورة ما حدث، مع أن أقل ما يمكن عمله أمام تهمة كهذه، هو إصدار مجلس القضاء الأعلى بيانٍ توضحيٍ.
لا يمكن فهم صمت الهيئات القضائية وإحجامها عن التعليق أو الرد على ما تضمنه التقرير المنشور في الإعلام، بشأن مخالفات قانونية رافقت إجراءات النظر في ملف خلاف مؤسسة " كهرباء الزرقاء" وشركة " كالفالي بترو ليوم الكندية"خارج سياق التطبيع الرسمي مع الفساد، واحتقار الرأي العام.
لكأنها تقول :
نصف مليون دولار رشوة ..رقم معقول ولن يثير اهتمام أحد!!