ما تزا ل الغالبية العظمى من أهالي أبين تعاني من آثار التدمير الذي تعرضت له عاصمة محافظتهم وما جاورها في العام 2011م والذين ما يزالون يتساءلون عن الذنب الذي ارتكبوه ليدفعوا هذا الثمن الباهظ لمغامرة أدارها الساسة في صنعاء وتحمل أعباءها النساء والأطفال والكهول والعجزة من أبناء أبين، قتلا وجراحا وتعويقا وتشريدا ودمارا للممتلكات والمنشآت والمنازل ومرافق الخدمات والبنية التحتية وغيرها من الآثار التدميرية التي ما يزال أبناء أبين يدفعون ثمنها من راحتهم وقوتهم وصحتهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم.
يقول بعض المتابعين لبواطن الأمور في أبين أنه وفي مطلع العام 2011م كانت أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة تبحث عن مصيدة تستدرج إليها أهم قيادات وكوادر تنظيم القاعدة، لتتمكن من سحق أكبر عدد ممكن من هذه القيادات ويدور حديث أن هذه الأجهزة قد عرضت الأمر على أكثر من بلد عربي أو إسلامي من أصدقائها لكن لم يقبل بهذا العرض إلا حكام اليمن، ومن بين التفاصيل التي تبادلها المؤيدون لهذا الطرح أن مبالغ كبيرة قد دفعت للقيادات التي وافقت على الصفقة، وأن بعض القيادات المدرجة ضمن قوائم المطلوبين أمريكيا قد دخلت في اللعبة، من خلال القيام بتجميع وتسهيل دخول المجاهدين إلىى أبين مقابل شطب أسمائها (أي تلك القيادات) من قائمة الإرهاب.
لقد مرت سنتان تقريبا على انتهاء العمليات العسكرية في أبين وما رافقها من صخب إعلامي عن إعادة الإعمار ووعود حكومية بتعويض المتضررين، ومع ذلك فإن هذه العملية ما تزال تسير بسرعة سلحفائية، تترك آثارا وخيمة على المتضررين من أبناء أبين خصوصا أولائك الذين لا مصدر لهم ليعيدوا ولو الحد الأدنى مما خسروه، وما يزال جزء كبير من هؤلاء خارج منازلهم وخارج مدنهم نظرا لعدم قدرتهم على إعادة بناء تلك المنازل، ولعدم كفاية التعويض الذي حصلوا عليه (إن كانوا حصلوا اصلا على تعويض) على سد الحد الأدنى من تكاليف إعادة بناء منزل صغير يأويهم وافراد أسرهم أما الخسائر الأخرى من آثاث وممتلكات إضافية فتلك قضايا يطول الحديث فيها لكنها ليست ذات أولوية بالنسبة لمن لا سقف يأويه ولا بيت يسكنه.
* بالنسبة لمن حصلوا على التعويضات فإن أبناء أبين يشكون من انعدام المعايير الواضحة لتقديم التعويضات وغياب الشفافية ففي حين يكون أحدهم قد خسر ما فوق الثلاثين مليون ريال يمني فإن يحصل على تعويض لا يساوي مجموع أقساطه خمس هذا المبلغ، بينما هناك من لم تتجاوز خسارته مئات الآلاف يمكن أن يحصل على ملايين وأحيانا عشرات الملايين، أما غياب الشفافية فإن يكون مبعث الكثير من الأسئلة عن عدالة توزيع التعويضات، إذ لا توجد قائمة معروفة تبين أسماء المتضررين واماكن التضرر ونوعه وحجمه وكلفة إعادة بنائه، مما يبعث الشكوك في إمكانية حصول مجاملات وتفاوت في التعويض بل وصرف تعويضات لمن لا يستحقها مقابل ظلم آخرين ممن يتسحقون التعويض.
* من أطرف ما يتناوله المتابعون للوضع في أبين أن قائدين عسكريين من أبناء شمال نقيل سماره حصلا على أكثر من ثلاثة أرباع المليار ريال يمني (أي ما يكفي لبناء حي سكني جديد للمشردين) تعويضا عن أضرار يقولان أنها لحقت بمزرعتيهما، بينما يعلم جميع أهل أبين أن هاتين المزرعتين لم يلحق بهما من الأضرار ما يساوي 1% من هذه التعويضات، إذ ظلتا تنتجان منتجاتهما وتسوقانها إلى الأسواق المحلية والخارجية دون أن يعترضها أحد لا من القوات الحكومية ولا من سلطات (الإمارة الإسلامية) ، دعك من السؤال كيف حصلا على هذه المزارع؟ أو السؤال: كم ثمن المزرعة الواحدة إذا كانت الأضرار فيها فقط ما يقارب نصف المليار ريال يمني؟؟
* هناك ظاهرة أخرى وهي تعويض البعض عن منشآت حكومية جرى نهبها من قبلهم منذ 1994م، أو بعد سقوط (إمارة أبين الإسلامية)، وإذا ما غضضنا النظر عن أحقية تلك التعويضات من عدمها فإن الأغرب أن هؤلاء يواصلون الاستيلاء على تلك المنشآت والمرافق الخدمية ويقومون بالتوسع فيها باستخدام التعويضات التي قدمتها لهم الحكومة أي إن الحكومة لم تكتف بالسماح لهم بالاستيلاء على المنشآت والمرافق الخدمية والإدارية الحيوية بل إنها قدمت لهم الدعم الذي يمكنهم من مواصلة استخدام هذه المنشآت والتوسع فيها، بدلا من استخدام تلك (التعويضات) في بناء مساكن جديدة صالحة للسكن، وإعادة المرافق الحكومية للسلطة، وهذا كرم من الحكومة لم يعرف لهم نظير في الماضي ولا في الحاضر.
* هناك الكثير من المتضررين الذين قدموا تظلمات بناءً على وعود من الجهات المشرفة على صرف التعويضات، وما تزال تلك التظلمات مجمدة في ملفات الجهات الرسمية، بينما يشكو الكثير من المتضررين من المماطلة والتسويف والتباطؤ في صرف التعويضات في حين ما يزال جزء كبير من هؤلاء إما ضيوف طويلي المدى على أقرباء وأصدقاء لهم في أبين وخارج أبين، أو مشردين بلا مأوى يقيهم حرارة الصيف وبرد الشتاء ومياه الأمطار وغبار العواصف وعانت الكثير من الأسر من التفكك والتجزئة والمشاكل الأسرية المتكاثرة بفعل كارثة حلت عليهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
* ومن بين الشكاوي التي يطرحها المتضررون من سكان العمارات التي تعرضت للتدمير الكامل أو شبه الكامل هو إصرار الجهات المشرفة على ربط التعويض بالبدء في بناء العمارة كاملة، لكن حينما يكون أحد المتضررين أو أكثر لا يرغب في استعادة منزله لأسباب تخصه هو فإن البقية يحرمون من حقهم في التعويض، وهنا نتوجه إلى الجهات المختصة في المحافظة وفي العاصمة بالمطالبة بإعادة النظر في هذه السياسية على النحو الذي يمكن من تضرروا من الحصول على التعويضات على وجه السرعة إذ إن معظم هؤلاء لا بديل لهم عن السكن الذي خسروه، والذي بسبب الإصرار على ربط دفعه بالمتضررين كلهم يحرم غالبية سكان العمارة من حقهم بسبب واحد أو اثنين ممن يحلون مشاكلهم بطريقته الخاصة.
* إن ماساة أبين لا تقتصر على تدمير المنازل والمنشآت ومرافق الخدمات والبنى التحتية لعاصمة المحافظة وما جاورها، بل إنها تمتد إلى البنية النفسية والثقافية والأمنية للمنطقة، فالأطفال الذين لم يعرفوا في حياتهم صوت الرصاص ثم أفاقوا فجأة على لعلعة النيران ودوي الانفجارات وسحق المباني وانتشار الأشلاء والجثث، لا يمكن أن نتوقع لهم تكوينا نفسيا سليما وبناء وجدانيا معافى، وقد يحتاجون إلى عقود لنسيان مشاهد الدماء والأشلاء والدخان المتصاعد من حرائق القصف وانهيارات العمران، أما الأسر التي تفككت وتشردت وعانت الجوع والقهر أو تعرض بعض أفرادها للانحراف أو الاغتصاب فإن مأساتها أصعب من أن توصف وأقسى من أن تعالج.
ويبقى السؤال مفتوحا: لماذا كان على أبين أن تدفع ضريبة عمل لم ترتكبه وسياسة لم تخترها ونهجا لم ترتضه؟ ومن يعوض الأم التي فقدت ابنها أو الزوجة التي فقدت شريك حياتها ومربي أبنائها أو الطالب الذي فقد معلمه أو معلمته أو مدرسته أو الأطفال الذين فقدوا معيلهم، أو الزوج الذي فقد زوجته وما أكثر هؤلاء في أبين؟
إنها أسئلة مفتوحة ستظل بلا إجابة حتى وإن جاء من يتهم فلانا أو علانا بالوقوف وراء ما جرى لأبين، أما أبين فستظل مأساة مفتوحة على الجميع استقراء ما وراء سطورها وما خلف أحداثها الدرامية الحالكة.
برقيات:
* في مباراة مثيرة تمكن الملاكم اليمني الأصل البريطاني الجنسية عبد الباري السعدي، من الفوز على خصمه الأسباني ساجيو برادو بالنقاط، ويعد هذا الفوز لعبد الباري هو الأعلى وبه ينتقل باري من المستوى البريطاني والأوروبي إلى المستوى العالمي، ويقدم مفخرة جديدة لكل اليمنيين من متابعي رياضة الملاكمة.
* يقول ابن خلدون: إن الإصرار على التمسك بالتقاليد لا يعني أن الميتين أحياء بل إن الأحياء ميتون.
* يقول شاعر اليمن وفيلسوفها المرحوم الأستاذ عبد الله البردوني:
أمير النـــــــفط نحن يداك نحن أحدّ أنيابِك
ونحن السادة العطشى إلى فضلات أكوابِك
ومســـئولون في صنعا وفراشون في بابِك
وبسم الله جل الله نمـــــــــسح نعل حجّابِك
فنم يا بابك الــــخرمي على بلقيس يابابِك
نعم يا ســـــــــــيد الأذناب إنا خير أذنابِك