بينما كان عبدالملك الحوثي الجمعة الماضية يخطب من صعدة داعياً لـ”المصالحة الوطنية” و”الشراكة الوطنية” و”تصحيح السجل الإنتخابي”، كانت ميليشيا تابعة له في إحدى قرى ذمار تصحح “الوضع الديني” للقرية بفوهات البنادق.
لا تستمعوا لما يقوله الحوثي بل اسمعوا ما تقوله بنادقه! وما قالته بنادقه في قرية “الحضر” بجبل الشرق آنس ذمار ظهيرة الجمعة الماضية كان عكس كل ما قاله هو في الوقت واليوم نفسه:
فبينما كان يستقبل في صعدة وفداً من “بني حشيش” بخطاب تكون من (10 ألف) كلمة وامتد ساعة ونصف وبدأه بالترحيب بـ”ضيوفه الأعزاء”، كانت قرية “الحضر” تستقبل دون ترحيب “وفداً” حوثياً مدججاً بالسلاح قدم بهدف شن الحرب عليها، ولا شيء آخر غير الحرب.
بعد ترحيبه بـ”وفد بني حشيش”، وضع الحوثي ثلاثة أهداف رئيسية للزيارة التي قام بها هذا الوفد والوفود المشابهة له من قبل، وضعها هو:
1- اكتشاف حقيقة ما جرى خلال السنوات الماضية من عدوان على هذه المحافظة (صعدة)،
2- تعزيز حالة الإخاء بين أبناء الشعب اليمني،
3- تدارس الوضع القائم وما يهمنا وما يتعلق بنا وما يرتبط بواقعنا ونتحمله من مسئولية تجاه ذلك كله.
والحوثي، الذي يضع بنفسه أهداف زيارات “ضيوفه الأعزاء” له، هو من وضع أيضاً أهداف زيارة “ضيوف” قرية الحضر غير الأعزاء، وكلها عكس الأهداف التي يتحدث بها.
“العدوان”، كلمة يكررها الحوثي كثيراً في خطاباته، لكنه بات يمارسها في الواقع أكثر. وصحيحٌ أن نظام صالح مارس العدوان على الحوثيين وصعدة كما على بقية اليمنيين والبلاد، لكن المشكلة أن الحوثي بات يستخدم “عدوان” النظام عليه بالأمس كمظلة لممارسة عدوانه الخاص على اليمن واليمنيين اليوم: كما لو أن الحوثي لم يعارض نظام صالح ولم يقاتله إلا لكي يمارس العدوان على صعدة واليمن ككل بدلاً عنه!
لا أظن أن “اكتشاف حقيقة عدوان” نظام صالح على صعدة كان بين أهداف زيارة “وفد بني حشيش” وغيره من الوفود للحوثي، لأن ما حدث في صعدة معروف ولأن هذا ليس وفداً من الصحفيين أو الجقوقيين. لكن المؤكد أن أول أهداف زيارة “وفد” الحوثي لـ”الحضر” بذمار هو: ممارسة حقيقة العدوان على القرية وأهاليها.
قاد العدوان الحوثي على “الحضر” قيادي حوثي في آنس، يدعى صادق الجبر. والأخير- ويا للمفارقة- كان عضواً في مؤتمر الحوار الوطني عن كتلة الحوثي (ستتعاظم المفارقة إذا كان في لجنة بناء الدولة المدنية مثلاً)! وتوجه الجبر الى “الحضر” على رأس سبع سيارات كلها محملة بالرجال المجمعين من عدة قرى أخرى والمسلحين جيداً برشاشات الكلاشينكوف والمعدلات والبوازيك. ولم تكن هذه يومها سوى الدفعة الأخيرة من أفراد الميليشيا الذين كانوا قد بدأوا التوافد إلى القرية منذ الأربعاء بحجة زيارة “أخوانهم” الحوثيين بالحضر الذين كانوا قد بدأوا إثارة مشكلة تحولت إلى نزاع مع الأهالي حول مسجد القرية منذ شهر تقريباً.
“الزيارات واللقاءات والتعارف والتآلف وتعزيز الروابط الأخوية هي مطلبٌ ديني وهي أيضاً حاجة وطنية”، قال الحوثي لـ”وفد بني حشيش”، بينما كان أفراد “وفده” الميليشاوي الذي زار “الحضر” يقومون بـ”اللقاءات والتعارف والتآلف” مع أهاليها على هذا النحو: انتشروا داخل القرية حيث تمركزوا حول المسجد وداخل بعض بيوتها (التابعة لمتحوثين)، فيما تمركز عدد آخر منهم في ثلاثة جبال محيطة مطبقين نوعاً من الحصار على القرية. ثم بدأوا “التعارف والتآلف” مع الأهالي وبيوتهم.
أحد الأهالي، رضوان الجمرة (30 عاماً)، سقط جريحاً في أول “تعارف وتآلف”: ثلاث رصاصات تحت ركبته اليمنى بالضبط أسعف إثرها إلى صنعاء حيث يرقد الآن في أحد المستشفيات بعد خضوعه لعملية جراحية. استخرج الأطباء الرصاصات من ساق رضوان، لكنْ من سيستخرج رصاص “التعارف والتآلف” الذي يغطي جدران بيوت القرية من الخارج والداخل، ويخشى الأهالي من أن هذه قد تكون مجرد بداية فقط، بداية “فتنة” لا يحمد عقباها. (رغم التوصل إلى إتفاق مؤخراً، إلا أنه كان مجحفاً في حق أهالي الحضر. ورغم قبول الأهالي بالأتفاق المجحف درءاً للفتنة، إلا أن عناصر الحوثي استمرت في بناء المتاريس والتزود بالسلاح في ما يبدو أنها استعدادات لمعركة أكبر).
لا أظن أن “تعزيز حالة الإخاء بين أبناء الشعب اليمني” كان بين أهداف زيارة “وفد بني حشيش” للحوثي، لأن هذا الوفد ببساطة يتألف من أفراد ينتمون لنفس الجماعة وليس إلى جماعة أو فئة أخرى. لكن المؤكد أن ثاني أهداف زيارة “وفد” الحوثي لـ”الحضر” هو: تمزيق حالة الإخاء التي كانت قائمة بين أبناء القرية.
“التآخي” و”تعزيز الروابط الأخوية” و”يتحتم علينا أن نسعى وأن نَجْهَدْ وأن نعمل على أن نعزز من حالة الإخاء أن نقوي من الروابط الأخوية”، الكثير من هذا الكلام ورد في خطاب الحوثي الذي حذر أيضاً من “حالة الفرقة” التي يسعى العدو الأمريكي والصهيوني لتعزيزها بين أبناء “الشعب اليمني” و”الأمة الإسلامية” ككل. يقول: “هناك سعيٌ حثيث، وجهودٌ كبيرة مدعومة بالمال مدعومة بالسلطة مدعومة بالإعلام مدعومة بإمكانيات هائلة ومتنوعة ترمي إلى تعزيز وترسيخ حالة الفرقة والتباين ونشر الكراهية والبغضاء وتعميق الفجوة بين الشعب اليمني، لأن من الأشياء التي يحرص عليها أعداء هذا الشعب وأعداء الأمة هو تفريق، تفريق هذا الشعب وتفريق الأمة جميعاً”.
إذا كنتَ من قرية “الحضر” واستمعتَ لهذه الفقرة من خطابه، فإنك على الأرجح ستصرخ في وجهه: لكنّ هذا بالضبط ما تفعله أنتَ بقريتي!
فهنا، تحديداً، لم يتحدث الحوثي عن أحد قدرما تحدث عن نفسه.
يتحدث الحوثي كثيراً عن “التآخي” و”تعزيز حالة الإخاء والروابط الأخوية” بين أبناء الشعب اليمني والأمة العربية والإسلامية جمعاء فيما تقوم إحدى ميليشياته بإشعال “فتنة” داخل قرية “الحضر” وتعزز- بل تستحدث- حالة فرقة بين أبنائها غير محسوبة العواقب!
ويتحدث كثيراً عن ضرورة توحيد صف الشعب اليمني والأمة الإسلامية جمعاء من أجل مواجهة العدوان الخارجي فيما يشن عدواناً داخلياً على قرية مسالمة في ذمار من أجل تفريق صف أهلها وتشتيته شذر مذر!
إنه يتحدث كثيراً عن “الغزو الثقافي والفكري” الذي يتهدد الشعب اليمني والأمة الإسلامية فيما يمارس الغزو الثقافي والفكري والعسكري السافر وبأبشع صوره على القرى والأرياف اليمنية كقرية “الحضر” التي هي بالمناسبة قرية زيدية!
دعكَ من هذا يا عبدالملك!
دعكَ من العدوان الخارجي الذي يتهدد اليمن والأمة الإسلامية، واخبرنا لماذا تمارس العدوان الداخلي على قرية الحضر!
دعكَ من مؤامرات العدو الخارجي ومساعيه الحثيثة لـ”تعزيز حالة الفرقة بين أبناء الشعب اليمني والأمة جمعاء”، واخبرنا لماذا تحيك المؤامرات حول قرية “الحضر” وتسعى حثيثاً لـ”استحداث وتعزيز حالة فرقة” بين أبنائها!
دعكَ مما يتهدد الشعب والأمة وحدثنا عن من يهدد أهل القرية!
دعكَ من العدوان الخارجي على البلدان وحدثنا عن العدوان الداخلي على القرى!
دعكَ من كل هذا يا عبدالملك!
وخذ هذه من شخص يكبرك بعدة سنوات يا عزيزي:
ليس الأعداء الخارجيون أخطر ما يواجهه اليمن، بل الأعداء الداخليون.
ليس الغرباء هم ألد أعداء اليمن، بل أبناؤه ألد أعدائه.
واليمن- لمعلوماتك- بلد قلَّما هزمه عدو خارجي عبر تاريخه، لكنه ظل بلداً مهزوماً على الدوام لأنه مليء وموبوء بالكثير من الأعداء الداخليين الذين.. بتَّ تتصدرهم اليوم.