ما أراده ناطق الحوثيين!!

2014/05/05 الساعة 05:48 مساءً

أعلن ناطق الحوثيين محمد فليتة المعروف إعلاميا باسم "محمد عبدالسلام" موقف الحوثيين الرافض لتسليم السلاح، مبررا ذلك –حسب حواره لصحيفة الشروق الجزائرية- بقوله إن سلاح الحوثي لا يشكل عائقا أمام الديمقراطية ولا يوجه إلى اليمني، وإنما يوجه فقط ضد من تدعمهم الجهات الخارجية وضد الإرهاب بمختلف أشكاله –كما قال. والعجيب تأكيده أنه لم يطلب أحد منهم تسليم السلاح مع أن هذا بند واضح من بنود وثيقة الحوار الوطني، فضلا عن تشكيل لجنة رئاسية للتفاوض مع جماعة الحوثي حول آلية نزع سلاحه الثقيل.

وأيا يكن ما قاله، فإن مناقشة الجزئية المتعلقة من كلامه بتوجيه السلاح إلى اليمنيين أو غيرهم من أجل أن نثبت أنهم فعلا يوجهون سلاحهم إلى صدور اليمنيين هي مناقشة غيرُ ذات معنى أو جدوى، والوقوف على هذه النقطة وقوف على الجزئية الخطأ، فأنْ يكون يحوز هذا السلاح ليحارب به اليمنيين –وهو ما يفعله- أو لمحاربة الإرهاب نيابة عن الدولة والولايات المتحدة الأمريكية ودول العالم، فهذا لا يعنينا في شيء، وما يعنينا –فقط- هو أن تسليم الحوثي للسلاح أحد مقررات مؤتمر الحوار الوطني، وعليه أن يسلمه.

بل وأي حديث عن سلاح الحوثي ينتظره الشعب اليمني والعالم أجمع من الرئيس عبدربه منصور هادي والمخولين بمتابعة تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار، جهات حكومية، أو لجانا، أو أفرادا، ومن ورائهم المبعوث الأممي والدول الراعية للمبادرة الخليجية، فهؤلاء هم المسؤولون عن هذا الأمر، وهم وحدهم من يتحدث فيه، ويحسن الإشارة –هنا- إلى أن اللجنة الرئاسية المكلفة بالتفاوض مع الحوثي بشأن آلية تسليم السلاح هي الجهة التي يفترض أنها المتصدرة للمشهد الآن فيما يخص هذه القضية بعد الشخص الذي كلفها بالمهمة، وهو الرئيس عبدربه منصور هادي.

منذ البداية والحوثي يراوغ بشأن مفردة تسليم السلاح، ولم يتجرأ يوماً على إعلان رفض تسليمه، وإنما جاء هذا التصريح اليوم على لسان الناطق الرسمي باسم الجماعة لمعرفته أن الجميع في الداخل والخارج –وفي المقدمة رئيس الجمهورية- مشغولون بالحرب على القاعدة وأنصار الشريعة في أبين وبعض المحافظات الشرقية، وأنهم لن يقفوا عند تصريحه، وسيتركونه يمر، وهذا هو هدفه في الوقت الحالي: فقط تمرير التصريح أو الموقف، واستغلال الظرف الذي تعيشه البلاد لفتح باب النقض والتمييع التدريجي لوثيقة مؤتمر الحوار الوطني.
وحتى لا نصل إلى هذه المرحلة التي يصعب عندها لملمة ما تناثر وتبعثر جراء المعتاد من الجهات الرسمية وغير الرسمية من التجاهل والتساهل والتعامس والتعامي.. حتى لا يحدث ذلك، يفترض أن نسمع جوابا وردا رسميا حازما بشأن ما ورد على لسان الناطق باسم الحوثيين بهذا الخصوص، وأن يلقى الأمر تفاعلا وردود فعل رافضة، ابتداء من الأحزاب، ومرورا بكل القوى والمكونات والمنظمات المعنية العاملة في البلد، وانتهاء بعامة الشعب اليمني، بأن يعلن الجميع موقفا رافضا لهذا النكوص الحوثي الرسمي والمبكر والصريح عن مقررات مؤتمر الحوار التي كان الحوثي أحد الموقعين عليها، بل هو والجميع ملزمون بتنفيذها سواء وقعوا أو لم يوقعوا.

لقد جرت العادة من كثير من الأطراف الخارجية وكثير من الأطراف الداخلية أن يدعموا الحوثي، وإن على تفاوت بينهم في ذلك ما بين دعم وتأييد، وبين مراوغة وتبرير مبطن لأعماله، وبين صمت وتشاغل عنه بسواه.. وفيما يبرر أهل الداخل موقفهم في هذا الاتجاه بأنه نكاية بالإصلاح، وسواء أفصحوا عن ذلك أو لا، ويفعله غيرهم من الداخل والخارج نكاية بالثورة برمتها، فإن لموقف الأطراف الخارجية الكبرى أهدافا أخرى وضعوها لأنفسهم بهذا الشأن، ورغم ذلك ومع أخذ هذه المبررات والأهداف بالاعتبار والحسبان لابد من التأكيد على أن الأمر مختلف هنا وغير صالح للاستخدام في مجال النكايات ولا في خدمة الأهداف الخاصة لهذا الطرف أو ذاك، لأن الصمت عن هذا الموقف الحوثي –فضلا عن دعمه وتأييده- يفضي في نهاية المطاف إلى نسف مؤتمر الحوار بكامله، والإطاحة بهذا المنجز الأهم الذي يحسب للجميع بعد منجز الثورة، بل ربما أنه هو المنجز الوحيد!!
ويلفت في هذه القضية قول محمد عبدالسلام إن الحوار الوطني جاء بحلول توافقية لم تنفذ لعدم وجود إرادة سياسية لتنفيذها من طرف الحكومة المحسوبة من العهد البائد. واتهامه للحكومة بأنها عجزت عن تنفيذ مقررات الحوار يعني أن الحوثيين من جانبهم في حل من هذه المقررات.

وأتذكر هنا خبرا نشرته قبل أيام بعض وسائل إعلام الحوثي تتحدث فيه عن شراء الشيخ حميد الأحمر (16) دبابة أثناء زيارته لروسيا. ولم يحظ هذا الخبر بترويج كبير كما جرت عليه العادة في مثل هذا النوع الذي يتكاتف لترويجه إعلام الحوثي والمخلوع، ذلك أن للمطبخ الذي صاغ فكرة الخبر هدفا معينا ولا يحفل بالرأي العام وما إذا كان سيصدق أو لا، وما إذا كان الخبر سيشيع أم لا، كما لا يهتم لكون الخبر منطقيا أو غير منطقي، وهذا الهدف هو إيجاد ذريعة للحوثي للمماطلة أو الممانعة في تسليم الدبابات التي يتوقع الحوثي أنها ستكون أول صنف من أصناف السلاح التي سيطالب بتسليمها، والمبرر ساعتها أنه لن يسلم الدبابات التي بحوزته إلا في خطوة متزامنة مع تسليم حميد الأحمر الدبابات التي اشتراها، وسيطرح هذا الأمر على أنه حقيقة، متخذا منها لافتة للإصرار على استبقاء دباباته.

إن أهم ما يمكن أن يشار إلى خطورته فيما ورد على لسان الناطق الحوثي هو أن كلامه يعد أول تصريح حوثي رسمي يرفض مقررات مؤتمر الحوار صراحة وعلانية، وهذا أمر بالغ الخطورة، ويجب أن لا يمر مرور الكرام أو يتعامل معه المسؤولون بتساهل، فضلا عن يتعاملوا معه بالتعامي وغض الطرف، وهذا هو الحاصل من جانبهم حتى الآن للأسف الشديد.. ذلك أن تصريحه وبهذا الوضوح يفتح الباب أمام مواقف مماثلة من مختلف الأطراف ليبدأ كل طرف يتحدث سلبيا عن النقطة التي لا تروقه من مقررات مؤتمر الحوار، وشيئا فشيئا سنجد وثيقة مخرجات الحوار قد نقضت من أساسها، وبما لا يمكن بعده تدارك الأمر!!