إلى وقت قريب كان الجميع يردّدون أن «القضية الجنوبية» هي مفتاح حل الأزمة اليمنية, هي مقولة صحيحة كان البعض يقولها بصدق، والبعض يردّدها كحق يُراد به باطل، كان هؤلاء هم من يريدون استخدام الورقة الجنوبية كمترس متقدّم لعرقلة العملية السياسية بتضامنهم مع «القضية الجنوبية» بعنوانها الانفصالي، ورأينا قوى في أقصى الشمال تتحدّث عن «القضية الجنوبية» بفضول أكثر من الجنوبيين أنفسهم، وذهبت مزايداتهم إلى مدى بعيد؛ حتى ظننا أن القضية أصبحت عُقدة العُقد، وارتفعت مع هذا نبرة الانفصال، وكان العجب أن تقرأ في صحف وإعلام يطبّل للانفصال من قلب صنعاء، إنه اللعب بالوسائل القذرة عندما تُطمس كل خطوط الوطنية، ومع هذا كلّه فلا يصحُ إلا الصحيح، والصحيح هو أن الوحدة اليمنية هي قدر اليمن وروح استقراره، وفيها يجد اليمني كيانه الوطني.
عندما بدأ الحوار الوطني انخرط بعض الجنوبيين عن قناعة، ورفض الآخرون تخوّفاً من تجارب الماضي، وبدأ الشارع الجنوبي يرقب الحوار أكثر من غيره، وجاءت مخرجات الحوار منطقية جامعة فيها حلاً لمشاكل المواطن وحماية للوطن؛ لمن أراد أن يشكّل دولة بصدق ويعمل بحُسن نيّة؛ لأن سوء النوايا يفسد كل المشاريع مهما كانت صادقة ويلوّثها مهما كانت طاهرة.
يعلم الجنوبيون قبل غيرهم أن مصلحة المواطن واستقرار الوطن مرتبط بالوحدة؛ ليبدأ المزاج الجنوبي يعود كما كان وحدوياً دون مزايدة؛ وهو ما التقطه قادة جنوبيون كان الوضع السابق قد دفعهم لرفع السقف إلى ما وراء حلم اليمن، عادوا اليوم إلى التأكيد على تنفيذ مخرجات الحوار بعد أن كانوا في الأمس من أوائل دُعاة الانفصال وقادته؛ لتعود «القضية الجنوبية» إلى مفتاح للحل وبوابة للانتقال نحو دولة اليمن الواحد.
نحن هنا أمام تغيُّر مهم وكبير لصالح مشروع الثورة والتغيير بتلاشي صوت الانفصال لصالح الوحدة ودولة الحوار الوطني، وبهذا يتعرّى المزايدون وأعداء مشروع الدولة المدنية، فلقد تلقّى هؤلاء صفعة قوية ربما لم يكونوا يتوقّعونها، ولم يعد لهم اليوم حديث عن الإخوة الجنوبيين ولا عن «القضية الجنوبية» التي كانت تعني عندهم ورقة الانفصال للعمل عليها والابتزاز، وإفشال الدولة والحوار.
إن هذه المشاريع وأصحابها هم أسوأ ما في اليمن، وعلى اليمنيين أن يتجاوزوهم بالوقوف وراء تنفيذ مخرجات الحوار الوطني كتحدٍّ حضاري يواجه التخريب والحروب الطائفية المفتعلة التي تستهدف أول ما تستهدف الوحدة والدولة، وبمجرد انطلاق اليمن لتنفيذ مخرجات الحوار كقضية وطنية؛ سينكشف المنكشفون أكثر، ويُحاصرون ويُصابون بضيق التنفّس والموت السريري مهما بدا صراخهم أو قعقعات سيوفهم، إنه التحدّي والاصطفاف الوطني الذي يلتهم أسحارهم وكل ثعابينهم السامة