هل يتداركها الحزب الاشتراكي!؟

2014/07/27 الساعة 07:48 صباحاً

ذات يوم بمنتصف التسعينات كنت أسير بصنعاء مع أستاذ من معتقي اليسار من منطقتنا "الحجرية"، وقفنا بجوار سوق القات لنتحدث إلى آخرين التقيناهم هناك، وأثناء ذلك قلت للشخص الذي أحدثه: "إذا كثروا الأدياك بَطَل الصبح"، وهنا اقترب مني رفيقي "الرفيق"، وقال لي: قل "لكثروا الطباخين فسد اللحم".
لم يكن يريد أن يضيف إلى مثلا أو معلومة، كما لم يكن بصدد تصحيح أو تصويب، بل قال لي ذلك بمعنى: تمسك بثقافتك "التعزية" ودع ثقافة "أصحاب مطلع".. هكذا فهمت كلامه من خلال طريقة خطوته التي خطا بها نحوي، ومن خلال نبرة صوته، ومن خلال ما أعرف عنه.
لم أقل له إن جميع الأمثال السائرة اليوم في الوطن العربي هي موروث أمة، فهذا مثل قاله شخص في أقصى حضرموت وشاع حتى بلغ موريتانيا، وهذا مثل قاله مزارع في واد بالعراق فذاع أنحاء الوطن العربي، ثم حفظ كل مجتمع عربي شيئا من هذه النصوص، وإن ترجمها كل إلى لهجته وحفظها بلفظ مختلف، وأن أمثال اليمن ليست على هذا موروثا خاصا باليمن، فضلا عن أن يكون المحفوظ "منزل" خاصا بـ "منزل"، والمحفوظ "مطلع" خاصا بـ"مطلع"!!
لم أحاججه وأقول له أنتم دعاة الوحدة العربية، وعليكم –كمثقفين- أن تحققوا هذه الوحدة ثقافيا وأدبيا قبل أن تتحقق سياسيا، وأثبتوا لنا وحدويتكم العربية بهذا بدلا من أن تظلوا تلعنون الأنظمة التي حالت دون هي الوحدة وتعلقون عليها الخطأ، خاصة وأنكم تشكلون أكثر من نصف هذه الأنظمة!!
فقط ابتسمت إليه ومضينا في طريقنا، ولو كنت تمثلت بمثل هندي أو صيني أو إنجليزي لتبسم ضاحكا من قولي واعتبرني مثقفا مطلعا ولأسبغ علي من نِعَم أوصافه ما لا أعد ولا أحصي..!!
إنه لم يتحالف طرف سياسي مع الإصلاح إلا وحقق من تحالفه معه أعلى درجات الفائدة، بغض النظر عن موقف الإصلاح ومكاسبه، ابتداء بعلي صالح وانتهاء بعبدربه منصور، وأن ثورة الشباب أنتجت واقعا أتاح للاشتراكي فرصة ثمينة ليحقق من تحالفه مع الإصلاح أعلى مستويات الفائدة وأكبر المكاسب، لنفسه كحزب وللمشروع الوطني الذي يجمعه مع شركائه في الإصلاح والتنظيم الناصري، لكنه –وأقولها بحرقة- لم يتعامل مع الفرصة كما يجب، وما يزال في الوقت متسع إن أحسن الوقوف ثم المضي من جديد، وإن كان لا يزال في رأس هرمه أشخاص مثل ياسين سعيد ويحيى أبو أصبع.
لقد انساق الحزب -مع احترامي له كحزب ولكثير من قياداته- وراء قيادات صرفت كثيرا من جهوده عن مساره بتحالفها مع جماعات العنف المسلحة كما قال الدكتور ياسين سعيد نفسه، فإذا به بفضل هؤلاء العابثين مشدودٌ إلى الماضي أكثر مما هو منقاد إلى المستقبل، ولا يتعامل مع المرحلة الحالية وفرصتها الثمينة والنادرة إلا كعود يابس يخلِّل به ضرسه الذي نخرته السوس، فيستمتع بذلك لكنه في الحقيقة لا يزيد ضرسه إلا ألما، ولا يزيد فجوته إلا اتساعا.
قضى حياته في مقارعة الرجعية وها هم كثير من أعضاء لجنته المركزية متمركزون في صف الحوثي القادم من كهوف الكهنوت، وآخرون في قيادات الحراك المسلح الذي يتبنى اليوم ما يطلق عليه خيار الكفاح المسلح، وليست هذه سوى المشاريع الصغيرة بتوصيف الدكتور ياسين سعيد نفسه.. قضى حياته رافعا شعار الأممية وها هم كثير من قيادته متمترسون خلف داعي الإمامة والدعوة السلالية العصبية شمالا، والمناطقية التي تتبرأ من الانتماء لليمن جنوبا.. قضى حياته متبنيا للديمقراطية وها هم أكثر قياداته منخرطون تحت رايات الحق الإلهي بالحكم، وقضى حياته محاربا من يسميهم "القوى التقليدية" ثم هاهم كثير من قيادته يؤيدون أكثر القوى التقليدية تقليدا.. وبشكل غير رسمي: ظل أكثر قياداته المنتمين إلى تعز وعدن وغيرهما من الجنوب يصبون جام غضبهم على "أصحاب مطلع" باعتبارهم سبب التخلف، ثم هاهم أكثر قياداته يغادرون مناطقهم التي يسمونها "منزل" ويتجاوزون "مطلع" إلى شمال الشمال حيث "مطلع مطلع"!!
رغم ذلك، لا تزال الفرصة متاحة أمام الحزب الاشتراكي إن تداركها من أجل المراجعة الداخلية واستعادة بُنيته التنظيمية كحزب، ورص صفوفه خلف متطلبات الحاضر والمستقبل لا معطيات الماضي، وأظن أن هذا هو طريقه الوحيد لتجديد نفسه أولا، وثانيا لخدمة للمشروع الوطني بما يكافئ الفرصة المتاحة.

[email protected]