لا أريد أن أكتب شيئاً، ولا أريد أن أتحدّث ولا أتحرّك ولا أبتسم، أريد أن أبكي، أبكي على بلدي وناسي وقيم وطني وأخلاق الإسلام المهدورة والرحمة المذبوحة، ما هذا الذي يجري، ولماذا يصوّرون تلك المشاهد التي تحيل الإنسان إلى خروف يُذبح..؟!.
ما هكذا يا أهل بلاد الإيمان، ما هكذا يا مسلمين يا عرب يا بشر، لا يوجد مبرّر لذبح أنفسكم وإخوانكم، وعلى ماذا، ومن أجل ماذا..؟!.الوطن يتبرّأ منكم، والإنسانية مذعورة، والإسلام يصرخ بأنكم تذبحونه قبل أن تذبحوا الإنسان الذي أوصى بتكريمه ورحمته وصيانة دمه أياً كان لونه أو أصله أو دينه؛ حتى الأسير المحارب مصان ومكرّم.
هذه رسالة خبيثة، هذا امتحان للشعب اليمني يريدون منه أن تُنزع منه الرحمة، أن يتوحّش على بعضه، أن يقتل بعضه كما تُقتل الدجاج، رسالة لا هدف منها إلا أن يتوحش اليمنيون أو يصابوا بالرعب فيقادوا كالخراف.
في حضرموت لم تكن المذبحة الأولى للجنود والغدر بهم، وهنا تبرز المسؤولية والإهمال، ولا أريد أن أزيد، إذا كان الوضع في حضرموت يمثّل خطراً على الجنود بالتجارب السابقة؛ فمن الذي سمح لكتيبة كاملة أن تسافر في «باص» جماعي دون ترتيبات أمنية، ألم يكن سفرهم فرادى أفضل، ومن أخبر القتلة بهذه السفرية، مازال الجيش مخترقاً، ومازال جهاز المعلومات نائماً على آذانه..؟!. استمر المسلّحون يطاردون «الباص» لفترة كبيرة، ثم فتشوا الباص وخطفوهم وأنزلوهم وأخذوهم إلى مكان الذبح، كل هذه المدة رغم سهولة الاتصالات، ألم يتمكن جهاز المعلومات من الحصول على الخبر وإرسال مروحية لإنقاذهم، ألا يوجد رجل معلومات واحد في «النقل الجماعي» يصاحب الجنود رغم الظروف الخطرة..؟!.
الأعذار مسدودة، وهناك استفاهمات كثيرة تبرز كلما قُتل الجنود على هذا النحو من قبل الجماعات المسلّحة والتي يتعامل معها بدلال على طريقة إدخالها في لعبة التوازنات أو ما شابه على حساب الجيش والدولة؛ وهذا واضح في أكثر من حركة أبرزها قتل أكثر من أربعمائة جندي في عمران مع قائدهم بعد أن تمّت ترتيبات نقلهم واستسلامهم.
هيبة الجيش واحدة، وكرامتهم واحدة شمالاً وجنوباً، وصونها وحمايتها هنا ستحميهم هناك، الجيش الذي يتعرّض للذبح كل يوم يستحق من الجميع أن يأخذوا مسؤوليتهم أمام الله والوطن، وأن يُخرجوا الجيش من اللعب السياسي والإهمال السياسي والتغاضي السياسي.
لعن الله «ساس يسوس سياسة» إذا كانت لا تصون دماء الناس وتجعلهم عُرضة للإجرام والأمراض ومصاصي الدماء من الجماعات المسلّحة.
يحتاج هذا الأمر إلى أن نفيق وأن نتخذ قراراً ونطبقه بحماس كما طبقنا قرار رفع الدعم والإصلاحات السعرية الذي طبّق إلى النهاية؛ لكن محاربة الجماعات المسلّحة في الشمال والجنوب وحماية الجنود مازال قراراً يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى، ويُعرض للمساومات والحسابات.
ستنهار الدار على الجميع مالم نتفق على حماية الجنود، هؤلاء الجنود هم كرامة الوطن وبيضة الوطن، وكسرهم كسرٌ لبيضة الوطن وبيضة بيوتكم وحياتكم.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
الجمهورية