أعلن المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية المسلحة، محمد عبد السلام، اليوم الجمعة، عما يمكن اعتبارها الآلية التنفيذية للتصريح الإيحائي الخطير ومتعدد الدلالات الذي أطلقه قبل يومين، قائد الجماعة عبد الملك الحوثي، على صعيد المواجهة المحتملة للجماعة مع السلطة المركزية(الحكومة) وإسقاطها بذريعة رفض الجرعة، وهي آلية تؤشر بوضوح إلى الوقوف الخطر لهذه الحركة على الحافة، بما أسفرت عنه من خيارات ضيقة وبالغة الخطورة في سياق مشروعها لإسقاط التسوية السياسية.
الصادم حقاً في هذه الخريطة، أنها تمرر أكثر من مشروع سياسي ذات طابع تفكيكي للدولة وللوطن وللهوية الجامعة للشعب اليمني، عبر قضية ذات حساسية شعبية مفرطة، يمكن للجماعة الحوثية أن تتشاركها مع طيف واسع من أبناء الشعب، بسهولة وبكلفة قليلة، وبأدنى مستوى من مستويات الإثارة والتحفيز، ألا وهي التذمر الشعبي من إقدام الحكومة على اتخاذ قرار بتحرير المشتقات النفطية، على هذا النحو الذي أثر بشكل كبير على موازنة المواطنين وبالأخص الفقراء ومحدودي الدخل.
عملياً الجماعة الحوثية المسلحة هي جزءٌ من العملية السياسية، لكنها تصر مع حلفائها من بقايا النظام السابق على ممارسة دور المعارض في ظل حكومة وفاق وطني، لا تحتمل صيغتها التشاركية الوفاقية القائمة بين القوى السياسية الفاعلة في الساحة اليمنية والموقعة على اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، أي شكل من أشكال المعارضة السياسية، لأن مبرر وجود الحكومة بهذه الصيغة الوفاقية، هو تمكين الشعب اليمني-بأقل الخسائر وبوسائل سياسية سلمية- من تحقيق عملية الانتقال السياسي، والخروج بالبلد من وضعها الراهن المضطرب، إلى وضع أكثر استقراراً واجهته الأساسية الدولة الاتحادية التي نصت عليها وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
لا يمكن للجماعة الحوثية المسلحة، التي وقفت ضد عملية التسوية السياسية منذ البداية، ثم عادت وانخرطت فيها دون أن تكون طرفاً موقعاً، أن تستمر في وضعية ما بين بين، أو أنها تبقى ممسكة بالعصا من المنتصف.
فما صدر عن الحركة منذ التئام مؤتمر الحوار الوطني وحتى اليوم، هو السعي الحثيث لفرض مشروع سياسي خاص، بوسائل وأدوات غير سياسية، وكلاهما: المشروع السياسي الخاص، وأدوات تنفيذه، يتناقضان تماماً مع التسوية واستحقاقاتها وروح الوفاق والاتفاق.
فقد رأينا كيف طالبت بالتغيير في عمران، مستخدمة الاعتصامات طويلة الأمد والمسيرات المدججة بكل أنواع الأسلحة التي شاهدها العالم في عمران، رغم أن المسئولين الذين طابت بتغييرهم عينوا من قبل الرئيس الوفاقي المنتخب، وهي اليوم تحارب في محافظة الجوف تحت الذريعة نفسها وبالوسائل نفسها، في حين كانت تخوض حربها بروح انتقامية استئصالية للمخالفين مذهبياً والذين وصمتهم بالتكفيريين وهو تعميم سيئ للغاية.
ولا يرى المتابع في الدعوة إلى فتح اعتصامات في محافظات صعدة، حجة، عمران وذمار، التي جاءت عبر منشور في صفحة المتحدث باسم الجماعة الحوثية في الفيسبوك، إلا استمراراً للنهج نفسه من ممارسة المعارضة بصيغتها الأحادية وبأهدافها المنفصلة تماماً عن مشروع التغيير الذي تبلور اليوم في وثيقة مخرجات الحوار الوطني، ولا يراها المراقب أيضاً إلا أنها إصرارٌ مستميتٌ من هذه الجماعة على إسقاط الحكومة الوفاقية التي لا تروق لها، عبر أدوات عُنفية، وإن كانت هذه المرة تختفي قضية شعبوية بامتياز.
ويتساءل المرء عما إذا كانت القائمون على الجماعة الحوثية، يدركون إلى أي مدى هم بهذا التوجه الجديد، يتورطون أكثر فأكثر في اعتماد أضيق الخيارات وأخطرها على الإطلاق، ويتصادمون مع ثوابت وطنية ومحل إجماع.
أقول ذلك انطلاقاً من الإحساس بخطورة هذا التصعيد من جانب الجماعة لحوثية، إذا لا يكفي أن تتوسل هذه الجماعة قضية شعبية، ثم تكون وسيلتها مفضوحة إلى هذا الحد، حيث لا يعني اختيار هذه المحافظات، سوى أن الحركة قررت أن تنتصر لقضية ذات طابع شعبي واسع، بأدوات تكمن خطورتها البالغة، في أنها تستبطنُ نزعةً مذهبية ومناطقية واضحة، واستئثاراً بالتحكم في توجيه دفة الأحداث في الساحة الوطنية، بهذه الخيارات الضيقة والمحدودة من العمل الجماهيري التي تتجلى في الاعتماد على لون اجتماعي وجهوي واحد.
ثمة تفسير منطقي لهذا التصعيد الجديد من جانب الجماعة الحوثية، ويذهب إلى أنه يأتي في سياق، تعزيز النفوذ والهيمنة ورسم حدود أمر واقع لأحد أقاليم الدولة الاتحادية وهو إقليم آزال، والتشويش على استحقاق نقل مدينة عمران ومؤسساتها الرسمية إلى عهدة الحكومة، بحيث يصعب الاستمرار في الحديث عن هذا الأمر فيما المدينة تقع تحت تأثير اعتصام صاخب ولا يلتزم بأية قيود سياسية.
أستغرب أن الحكومة لم تصدر أي بيان حيال هذا التصعيد الذي تنوي الجماعة الحوثية الإقدام عليه، من خلال إقامة بؤر مسلحة للتحريض والضغط وخلق أمر واقع، تحت مسمى الاعتصامات.. وهناك حاجة لتوجيه سؤال إلى اللاعبين المحليين والخارجيين الذين عملوا خلال الفترة الماضية، على الدفع بالجماعة الحوثية من جماعة ثقافية ترفع شعار المظلومية في صعدة، إلى ميلشيا مسلحة، استخدمت عن عمد، كهراوة ضد أطراف بعينها في الساحة اليمنية، عما إذا الوقت قد حان إلى ترويض الهراوة، والدفع بها إلى الانخراط في العملية السياسية، بأدوات سياسية وحملها على القبول بتنفيذ مخرجات الحوار، وخصوصاً ما يتعلق بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للدولة؟
التصعيد الذي أعلنت عنه الجماعة الحوثية فيما يخص التعامل القادم مع الحكومة، خطير للغاية، وأعتقد أن كبحه لا يمكن أن يتم إلا بتوحد الإرادات الداخلية والخارجية، وبإعمال القرارات الدولية بشكل قوي وفعال؟.
العنوان الأصلي للمقال:الحركة الحوثية في مواجهة الحكومة:أضيق الخيارات أخطر الخيارات
من صفحة الكاتب على الفيسبوك