قالوا للحوثي إن فرصتك استغلال ألم الجرعة وتحشيد الشعب كله باسمها ولم يعرف أن الشعب اليمني يكره الجرعة، ولكنه يكره أكثر من ذلك استغلال أوجاعه لأطماع خاصة بعيدة عن همومه؛ بل لصالح مشاريع تقف نقيضة لحرية الشعب ومصالحه وتريد تجريعه الويلات..!!.
لم يفهم «الحوثي» أن اليمني سياسي بالفطرة «يفهمها وهي طائرة، بل قبل ما تطير» ولهذا كان تحشيده بكل ما يملك وبهستيريا إلى درجة أنه وضع حركته على المحك وأصبح الخيار أمامه بسبب هذا الهرج والتهديد والتهويل المدفوع بجنون العظمة أمام خيارين «الخروج العظيم أو الفشل العظيم» فكان الثاني ليقول الشعب كلمته بأن الشعب ليس شخصاً ولا أسرة ولن يكون.
المسيرة التي قال إنه سيغرق بها العاصمة من كل المحافظات وتمسح كل شيء لصالحه لم يحس بها أبناء العاصمة؛ لأن هدير الهرج والبطش كان أكبر ألف مرّة من هتاف المسيرة، وكان يمكن أن تكون مسيرة وكبيرة لو خلت من خطاب الحرب والهرج والوصاية.
لقد تمخّض الخروج العظيم فأراً وغراباً أسود وفشلاً عظيماً سيبدأ في عدّه التنازلي نحو التلاشي، وهي طبيعة كل الحركات المنفوشة بالغرور والعنف والاستعلاء.
في قناتهم «المسيرة» ظهرت صورة محسّنة للمسيرة في أحد الشوارع مكتوب على الشاشة «هذه مسيرة أمانة العاصمة والمحافظات ستأتي لاحقاً»، لم تلحق المحافظات ولم تخرج أمانة العاصمة كل ما في الأمر أنه حشد جماعته من صعدة وما حولها والجراف وبعض الحارات القديمة إلى شارع في العاصمة ولم يكن شعباً وإنما جماعة تستقوي بالعنف وتعتنق العنصرية؛ ولأن الفعل جاء أقل من الهرج والخروج العظيم؛ لزم التنويه على استحياء وهو تعبير صريح بالفشل..!!.
أمانة العاصمة المدنية وجّهت صفعة أشبه بتربية الحكيم إلى شخص أرعن مصاب بجنون العظمة يحاول أن يمارس التدليس على الناس باسم أوجاعهم، وما رأيناه هو أقرب إلى الحشد العنصري الذي يرتكز على استفزاز السلالة والعصبية ويعبّر عن مكوّن ضيّق الأفق مذهبياً ومناطقياً، فكيف يكون هذا هو الشعب الذي تحدّث عنه الحوثي بكل عجرفة وتعالٍ أصاب بالأذى كل يمني حر..؟!.
ومع هذا سنسلّم بالمسيرات السلمية أياً كان رائيها أو حجمها وسنحترمها لولم تكن عبارة عن عنوان للعنف والحرب الذي أعلنه أمام الجماعة من تهديدات مكرّرة عن «لغته أو عصاه الأخرى» والمحببة وهي العنف والحرب؛ لأن السلمية لها شروطها وقوتها الناعمة ولا تتأبط السلاح ولا تهدّد بالموت؛ وهو ما يفرغ المسيرة السلمية من مضمونها الحضاري ويجعلها صورة للعنف وغطاءً للقتل وشكلاً معيباً من أشكال التخلُّف.
لم يعلم الحوثي أنه بخطابه الاستعلائي أيقظ الكثيرين من الناس الذين كانوا قد قرّروا الخروج ضد «الجرعة» مع من كان تعبيراً عن الوجع؛ لكن الخطاب كان فجّاً وإمامياً حتى النخاع ليوحّد لأول مرة اليمنيين على قضية واحدة كخطر مشترك وبشكل يمكن أن تكون قاعدة للاصطفاف وراء تنفيذ الحوار الوطني ومسيرة الدولة التي يجب أن نعرف أن التلكؤ في تنفيذها سيجلب علينا المصائب والطامعين.
مشكلتنا لا تكمن في هذه الجماعات المتخلّفة والعنيفة؛ لأن تغوّلها يعبّر عن عجز في إدارة العملية السياسية وقيادة الدولة، مشكلتنا في تلكؤ المسار الخاص بالإجراءات الحقيقية للتحوّل نحو الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار، وكأن هناك «عمل معمول» لأصحاب الشأن ـ بحسب جدّتي ـ أو أن هناك أهدافاً غامضة وغير سوية مشحونة بغباء أو خبث أو خليط من هذا وذاك ...
إن التوقف اوالخلاف في الطريق المدلهمة بالأخطار يغري بكم كل الثعالب والأوباش