منذ مساء الجمعة الماضية والطائرات الأمريكية بدون طيار تُحلق في سماء الأطراف الشمالية الغربية لمحافظة البيضاء، في منطقة رداع بوسط اليمن، حيث تدور هناك رحى معركةٍ شرسة بين المليشيا الحوثية المسلحة المدعومة من إيران، والقبائل السنية في المحافظة.
الطائرات الأمريكية لا هم لها سوى ملاحقة المقاتلين في الجهة الثانية، أي قبائل البيضاء، وهي تقف في مواجهة العناصر الحوثية المسلحة، حيث توجه صواريخها على تلك القبائل التي تداعت بشكل غير مسبوق لمواجهة تمدد المليشيا الحوثية المسلحة، بعد أن أصبحت هذه المليشيا مصدر خطر كبير على الوحدة الاجتماعية اليمنية، وعائقاً خطيراً لعملية الانتقال السياسي، بما تمارسه من نفوذ مستفز لأغلبية اليمنيين، ومن استئصالٍ طائفيٍ ممنهجٍ لخصومها في هذا البلد، في محاولة منها لإعادة فرض النظام الإمامي الزيدي المقبور، والقائم على نظرية التفويض الإلهي، ضداً لمنطق التاريخ وصيرورته.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بعملية إسناد مستفزة للمجهود الحربي لمليشيا طائفية في بلد هش ومتوتر مثل اليمن، إنها تتورط أكثر فأكثر في عملية انتقائية مشبوهة، تُذكِّرنا بما يجري حالياً في سورية؛ ففي حين يواصل المجرم بشار الأسد التدمير الممنهج لمدن وقرى سورية وقتل أهلها، تقوم المقاتلات الأمريكية بطلعات متواصلة هدفها الوحيد إنقاذ حليفه؛ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المحاصر في مدينة عين العرب- كوباني، وهو الحزب الذي استدعى تنظيم الدولة، بممارساته الغبية المنحازة للنظام القمعي في دمشق.
بالتأكيد لا يهم أمريكا إنقاذ مدينة كوباني وسكانها، لأنها هي التي تدمر المدينة بالحمم التي ترسلها من الجو، وإنما هدفها الحقيقي هو تقوية تنظيم كردي مسلح، تعلم جيداً أنه يشكل جزء من المؤامرة التي تُحاك ضد بلد كبير وديمقراطي ونموذج للنجاح مثل تركيا.
بوسعنا اليوم أن نستحضر صورة السقوط المسرحي لصنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر، وكيف أن السفارة الأمريكية، كانت مسترخية أكثر من اللازم، حينما دخلت المليشيا الحوثية إلى المدينة وخاضت بعض المواجهات المسلحة مع بعض من وحدات الجيش التي بقيت على ولائها لليمن، بل أنها في اليوم التالي سارعت إلى نفي تعرض مبنى السفارة لقذيفة صاروخية. وفي الواقع كانت السفارة الأمريكية هنا تبعث رسالة طمأنة إلى بقية السفارات الأخرى؛ ألا شيء خطير يحدث، وهي تعلم أن هذه القذيفة الطائشة هي لزوم التسويق الموجه للوعي اليمن بشأن الطبيعة الثورية المفترضة للجماعة الحوثية المسلحة، باعتبارها جزء من الحلف الموجه ظاهرياً ضد النفوذ الأمريكي.
أعتقد أن هذه الحالة التشاركية في إرادة القتل بين الحوثيين المدعومين من إيران وبين الأمريكيين والموجهة بشكل خاص ضد المسلمين السنة في اليمن، ستأتي بنتائج عكسية للحملة الأمريكية ضد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
فهذا التنظيم وتفرعاته ليس هو الذي يقاتل اليوم في البيضاء، وإن تواجد عدد من عناصره في ساحة المعركة، ولكن القبائل هي التي تدافع عن أرضها وعن وجودها في ظل عدوان يحمل سمات طائفية فاقعة، ويتوسل الذرائع ذاتها التي تتمسك بها أمريكا وهي مواجهة الإرهاب.
يمكن لموقف أحمق كهذا إن استمر على وتيرته أن يوسع الحاضنة الاجتماعية لأنصار الشريعة، وهي أهم فروع القاعدة في اليمن، ومن شأنه كذلك أن يُوسع دائرة المواجهات الطائفية، ويُغرق هذا البلد في حرب طويلة الأمد، لن تحوله إلى بلد فاشل فحسب، بل إلى بيئة خصبة لإرهاب الطوائف. وسيكون لتطور دراماتيكي بهذا القدر من السوء تأثيراته السلبية القوية على الترتيبات الجيوسياسية في المنطقة، وعلى حجم المصالح الأمريكية الهائل في شبه الجزيرة العربية.
لقد بات واضحاً أن الحوثيين، ما دخلوا صنعاء إلاّ بضوء أحضر من واشنطن، وأنهم يتمددون في المحافظات، تحت أنظار السفير الأمريكي بصنعاء، والهدف هو نفسه، دفع الأطراف اليمنية إلى ما يشبه المكافحة الحيوية، في علم الأحياء، حيث يمكن للقوة الأمريكية العظمى أن تتخلص من أحد أعدائها بواسطة طرف آخر، دون أن تضطر إلى تحريك جيوش وإنفاق المزيد من الأموال في تمويل عمليات الطائرات بدون الطيار التي أثبتت عدم جدواها.
وبقي أن نطلب من الحوثيين تغيير الشعار الذي يرفعونه رمزاً لوجودهم في صنعاء، بدلاً من العلم الجمهوري، وذلك بتطعيمه بعبارات الود والاحترام للأمريكيين والإسرائيليين الذين يقفون معهم في معركة استعادة السلطة باليمن.
نقلا عن عربي 21