المستهدف دائما هو العقل في هذا البلد لأن الجنون لا يحتاج الى كوابح تفرمل حدته وتعمل على تطعيمه بخاصية التعقل للصراع بين النور والظلام في هذا البلد قصة طويلة ابتدأت منذ ازمنة ولم تتوقف وكلما أراد الضوء ان يمد خيوطه ليخترق الظلام تكاثف واستجمع إرادته ليقتل منابع الرؤية ومنابت النور.
وما حادثة اغتيال الدكتور والمعلم والوطني الشريف محمد عبد الملك المتوكل الا جزء من هذه القصة وسلسلة طويلة من هذا الصراع المستمر الذي لن ينتهي حتى قيام الساعةـ على أننا مطالبون دائما كحملة تنوير وقيم حياة حرة إثارة قدرا من التساؤلات حول من يقف وراء ذلك ولا يمكننا أن نكتشف خيوط الظلام التي امتدت الى صدر النور الا حين نتساءل من يقف وراء الموت الذي يتغلغل في شريان الحياة ويصنع التجلطات القاتلة في الوعي اليمني كي لا يفيق؟
القوى السياسية الحقيقية المنشغلة بالهم الوطني وترسيخ قيم الديمقراطية والحرية والمدنية والمهمومة ببناء الدولة هي أيضا مطالبة أن تعمل عقلها أكثر وأن تبدأ من الان بتوليف شتاتها وتتجاوز منطق الانانية والتخندقات الأيدلوجية باتجاه تعزيز العمل الوطني المشترك الذي يلتقي على قواسم حقيقية تصنع كوابح من الوعي الوطني الشعبي العام القادر معها على مواجهة منطق القتل والتدمير والالغاء والاستعلاء والاستلاب والنهب ، فأخطر نهب هو نهب الوعي وتغييبه وبناء حواجز من أسورة الليل للحيلولة دون وصول ضوء المعرفة اليه ليبصر ويرى .
الاستهداف للعقول والادمغة الوطنية هو توسيع لحالة الجدب واحراق لمساحة الندى والضوء هو ترك الشعب بلا وعي ولا ذاكرة ولا رؤية كي يقوده الهمجي القادم من الكهف برعونته ، ولذلك صار لازما على كل القوى السياسية ان تعيد النظر في مسألة علاقتها بعض وأن تؤسسها على أسس وطنية واضحة ورؤية عقلانية حقيقية وأن تبتعد عن المكايدات والرضى بما حل لبعضها من ظلم ومصادرة وتدمير ، يجب أن تبدأ من الان بترميم تصدعات تحالفها من أجل الوطن ويجب أن يستوطنها ضمير الإحساس بالإنسان اليمني والانتماء اليه وتحقيق أحلامه وتطلعاته الوطنية المشروعة.