الجبهة الوطنية العريضة ضرورة وليست ترفا

2014/11/04 الساعة 12:13 مساءً

في مقالتين سابقتين تناولت أهمية وضرورة تشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي المؤمنة باستعادة الدولة الجنوبية، لتعمل اولا على تقارب وجهات النظر والنضال من أجل القواسم المشتركة بين تلك المكونات والأطياف، وثانيا من أجل رسم خطة تصعيدية تحدد نقطة البداية ونقطة النهاية للعملية الثورية الجنوبية، وثالثا يمكن لهذا النوع من التحالف السياسي ان يرسم الملامح الرئيسية لمرحلة ما بعد استعادة الدولة. 

بعد المقالتين اللتين دعوت فيهما الى قيام الجبهة الوطنية العريضة اتصل بي بعض الزملاء وكاتبني زملاء آخرون  معلقين ومداعبين والبعض ساخرين، ومما قاله أحدهم : نحن لدينا أكثر من خمسين مكون وهيئة وتكتل جنوبي، ولكل واحد منهم رئيس وكل رئيس يهيئ نفسه ليكون رئيسا للجمهورية بعد استعادة الدولة فكيف تريدهم أم يفرطوا بمستقبلهم لينخرطوا في جبهتك الوطنية، وأضاف آخرون في هذا السياق: ألا ترى كيف يتضارب زعماء الجماعات على لجان توزيع الغذاء وقيادة المنصة في اعتصام خور مكسر، فكيف لا يتضاربون على رئاسة جمهورية طويلة عريضة، وقال آخر إننا نحتاج إلى خمسين جمهورية لنحل مشكلة المتنافسين السياسيين الجنوبيين؟؟

ومع إنني  لا أتفق مع هذا المنطق وما أزال أراهن على أهمية إدراك أن تولي المناصب والألقاب في هذه المرحلة، وفي مراحل لاحقة هو نضال وتحدي وتضحية ومجازفة، إلا إنني ما أزال أتساءل عن هذا الاسترخاء العجيب الذي يخيم على القيادات السياسية التي يفترض أنها من تصنع الفعل السياسي وتخطط للمستقبل وترسم البرامج والفعاليات التكتيكية والاستراتيجية للثورة الجنوبية حتى بلوغ  غاياتها المنشودة، ولم نسمع قائدا أو زعيما أو رئيسا تقدم بمبادرة للنقاش ودعا الناس للتلاقي والبحث في مبادرته، باستثناء مبادرة "مثقفون من أجل جنوب جديد" التي جرى وأدها في المهد ولم تلاق آذانا صاغية لمناقشتها وتعديلها أو حتى استبدالها والسير بالقضية حتى النهاية.

 

من المؤسف ان الكثيرين يعتقدون أن الاعتصام هو الثورة وأن تجمع الناس في ساحة الاعتصام هو الغاية من هذه الثورة.

نعم إن الاعتصام تعبير حي عن استبسال هذا الشعب وتشبثه بقضيته ورفضه الانصياع لنظام ينتمي الى قرون ما قبل الدولة، لكن الاعتصام ليس غاية بحد ذاته بقدر ما  هو تعبير عن وسيلة يمكن استبدالها باي وسيلة مناسبة عند اقتضاء الضرورة.

لا يمكن للاعتصام وحده أن يؤدي إلى تحقيق أهداف الثورة، إذا لم يترافق مع فعاليات تحدث تغييرا على الأرض، تغيير يعدل ميزان القوى لصالح أصحاب الحق ويخطو بالقضية خطوات إلى الأمام باتجاه الهدف، وهذا التغيير لن يصنعه فصيل بمفرده فضلا عن إنه لا يصنع بالمجاميع مهما تكاثف عددهم، بدون قيادة ترسم الخطط وتطرح البدائل وتعد العدة وتحدد المراحل وتبين الأولويات.

لو أن بلدا مثلنا لديه قضية عادلة مثل قضيتنا ولديه هذه الحشود المليونية التي تبدي استبسالا منقطع النظير وإيمانا لا يلين بقضيتها، وهذا العدد الهائل من المكونات والتنظيمات والأحزاب ويواجه هذا الخصم الواهن الهش القابل للهزيمة بأبسط الوسائل والإمكانيات، لكان حسم أمره واستعاد حقه منذ سنين، لكن يبدو أن كل مكون وتنظيم يعمل لحسابه الخاص ولمصالحه الخاصة وليس من أجل القضية والوطن.

لا يمكن أن نطلب من كل هذه الأطياف والتشكيلات السياسية أن تتخلى عن نفسها وتندمج في كيان واحد، فلكل مكون الحق في الاحتفاظ باستقلاليته وكيانه وتاريخه وبرنامجه السياسي (إن وجد)، لكن لا يمكن تحقيق النصر في ظل تمزق وتفكك الساحة السياسية وتنازع القادة جماهير الساحة وتحشيدهم وتحريضهم ضد بعضهم البعض، والانصراف إلى مواجهة بعضهم بدلا من الانصراف لتحقيق حلم الشعب في الحرية والانعتاق من التبعية والضم والإلحاق، وترك التنافس والتسابق إلى مرحلة لاحقة حينما نكون قد أعددنا حلبة السباق بما يناسب المتسابقين ولما تقتضيه الضرورة من الانتقال إلى المراحل اللاحقة.

وبما إن الاندماج الكلي مستحيل واستمرار الاسترخاء والتنازع والتواكل والتفكك، مدمر وقاتل فلن يكون أمام الجميع سوى الالتقاء حول القاسم المشترك الأعظم الذي يتغنى به الجميع ويتمسك به الجميع ويزايد عليه الكثيرون،إنه الجبهة الوطنية العريضة التي تحترم استقلالية الكل لكنها توحد الكل حول القضية المركزية لكل الجنوبيين.

الجبهة الوطنية ليست مطلبا تعجيزيا ولا نوعا من الترف السياسي إنها ضرورة ملحة وحاسمة لتحقيق أهداف الثورة وفي مقدمتها التحرر والاستقلال واستعادة الدولة من خاطفيها، والبديل عنها هو استمرار الاسترخاء والتواكل والتزاحم  على الصغائر وترك الجماهير بلا قيادة أو بقيادات متنازعة تضر أكثر مما تنفع، وتفرق أكثر مما تجمع، وتمزق أكثر مما توحد، وبالتالي تسلل اليأس والإحباط إلى الحركة الاحتجاجية وتراجع المد الجماهيري وانحساره، وعندما يكون الخصم قد أعاد ترتيب أوراقه واستجمع قواه واستعاد عافيته، سوف يكون الأوان قد فات ولن يعود ممكنا استحضار الفرصة مرة أخرى، لأن ليلة القدر لا تأتي دائما.

فهل نحن فاعلون، وهل من أذن تسمع أو عين ترى أو عقل يدرك؟؟؟

اللهم إني بلغت! اللهم فاشهد!

برقيات:

 

*     مقتل الطفل علي ماهر عقيلة في الضالع على يد قوات ضبعان، يؤكد أن شهوة القتل لدى تلك الفئة المحترفة لم تتراجع بل إنها تزداد كلما اتسعت حركة الرفض والمقاومة السلمية، القتل جريمة منكرة أما قتل الأطفال فهو جريمة مضاعفة يستحق مرتكبوها أقسى العقوبات، لكن ذلك سيتم فقط بعد أن يستعيد الجنوب دولته ويقيم نظامه الرادع لكل مصاصي الدم.

*    يبرر المجرمون فعلتهم بأنهم اشتبهوا بسيارة والد الشهيد التي وقفت على مقربة من مدرعتهم، فاضطروا لفعل فعلتهم النكراء، يمكن فعلا أن يكون القتلة بلداء إلى هذه الدرجة، لكن الدول لا تعين البلداء والمجرمين قادة عسكريين وتسلمهم السلاح الذي يقتلون به لمجرد الاشتباه.

*      يقول الشاعر  الكبير عبد الله عبد الوهاب نعمان:

 لَمَّا أَرَىْ  أنَّ  لَيْسَ  فِيْ  وَطَنِيْ  لِمَمْقُوْتٍ  مَجَالْ

وَأَرَىْ  بَأَنَّ  الْخَيْرَ  قَدْ قَــــتلَ  الأَفَاعِيْ وَالْصِّلاَلْ

وَأَرَىْ  الْــــهِدَايَةَ فِيْهِ  قَدْ حَفَرَتْ  مَدَافِنَ  لَلْضَّلاَلْ

وَأَرَى  بِأَنَّ  الْمَاقِتِيْنَ  الْخَـــــــيْرِ قَدْ شَدُّوْا الْرِّحَالْ

لَمَّا أَرَىْ  الْرَّعَـــشَاتَ  زَالَتْ  وَالْرُّجُوْلَةَ  لاَ تَزَالْ

لَمَّا أَرَىْ  هَذَا سَأَلْبَسْ  كُلَّ  أَجْــــــــــــنِحَةِ الْخَيَالْ

وَأَطِـــــــيْرُ مُرْتَفِعَاً وَأَنْزُلُ  فَوْقَ  هَامَاتِ  الْجِبَالْ

لأَقُوْلَ  شِعْرِيْ  شِـــــعْرُ وِجْدَانٍ  كَأَرْوَعِ مَا يُقَالْ