لماذا التهديد في البيان الحوثي؟

2015/02/02 الساعة 12:05 مساءً

د عيدروس نصر ناصر

هناك طرفة يتداولها المتابعون لسيرة الشخصية الكاريكاتيرية العربية جحا تقول: إن جحا دخل أحد المطاعم عابسا يتطاير  الشرر من عينيه وقال للنادل: أعطني وجبة عشاء مجانية وإلا سأفعل ما فعله أبي. . .، ارتعد النادل المسكين وأصابه الهلع وركض مسرعا لإحضار الوجبة المجانية لجحا خوفا من العواقب،  . .وبعد أن تعشى جحا وغسل يديه واستعاد مرحه وابتسامته سأله النادل بطمأنينة: سيد جحا لقد هددتنا بأن تفعل ما فعله أبوك، ما لم تحصل على وجبة مجانية، قال: نعم، فسأله: وماذا فعل أبوك؟ قال: نام بلا عشاء!

*       *      *

 الذين تابعوا الجلسة الختامية يمكنهم الاستنتاج أن المؤتمر أريد له أن يكون وسيلة مهرجانية للتشريع لممارسات جماعة الحوثي، التي تطلق على نفسها تارة " أنصار الله"، وتارة "المسيرة القرآنية" والخروج بمخارج تخرج الحركة من ورطتها التي وقعت فيها.

ومن الواضح أن ما أراده المؤتمر لم يتحقق لكنه لا يمكن القول بفشل مقاصد المؤتمر، فالحركة الحوثية تجيد المراوغة والمناورة والتكتيك والتدليس أكثر مما تجيد حسبان عواقب خطواتها وتصرفات قياداتها وأفرادها المتهورة والمراهقة.

كان زميلنا النائب يحيى بدر الدين الحوثي، ومن بعده محمد البخيتي قد كشفا بعض تفاصيل كواليس المؤتمر وأهم ما كشفاه هو السير نحو تشكيل مجلس رئاسي (بدون هادي الرافض أصلا أن يتراجع عن استقالته) وتشكيل حكومة توافق، وتأجيل موضوع الأقاليم، وإقامة حكم محلي كامل الصلاحيات وغيرها من التفاصيل التي يريد الحوثيون منها إخراج حركتهم من المأزق الذي وضعتهم فيه استقالة رئيس الجمهورية، التي لم يكونوا يتوقعونها عندما بالغوا في الاستهتار بمقام الرئيس وسرقة صلاحياته وإهانته والتعرض لشخصه ومنزله وعائلته ناهيك  عن اختطاف الدولة (المفترض) واغتصاب سلطاتها ونهب مؤسساتها ومعسكراتها.

هذه المخارج قد رفض معظمها في العام 2010 قبيل اندلاع الثورة الشبابية السلمية، واليوم يعاد تسويقها وكأنها منجزات تاريخية جاء بها الحوثيون، وقد توقع الكثيرون أن يعلن المؤتمر عن هذه النتائج في الجلسة الختامية، ولو جرى هذا لشكل صفعة موجعة للمداولات الجارية مع ممثل المنظمة الدولية، جمال بن عمر، لكن تأجيل إعلان هذه التفاصيل لم يكن احتراما للمتحاورين في موفمبك ومعهم المبعوث الدولي، بل مراعاة للحليف الرئيسي الذي انسحب من المؤتمر الحوثي ليضعهم وحدهم في مؤتمر يدعون أنه وطني.

ليس في البيان شيئا جديدا غير النقطة التاسعة التي تضمنت تهديدا للقوى السياسية فحواه إما أن تقبلوا بما يعرضه عليكم ممثلونا في حواركم مع المبعوث الدولي وإلا سنطلق لكم "اللجان الثورية".

الحديث عن مهلة ثلاثة أيام يتضمن لغة تهديد لا تعبر عن احترام لقيم الممارسة السياسية، ولا عن الرغبة في التكافؤ مع من تدعوهم الحركة الحوثية للحوار بل إن الحوثيين يقولون لمحاوريهم، إما أن توافقوا على ما نطرحه عليكم وإلا فسنتصرف، ويعلم الحوثيون أن نقطة تفوقهم هي امتلاكهم للسلاح وقدرتهم على التلويح به في وجه محاوريهم، وليست شعبيتهم وحب الناس لهم، ولا قاعدتهم الجماهيرية العريضة، فقد كانت حركتهم ممقوتة حتى في سنوات مظلوميتهم والحروب الجائرة التي شنت عليهم، أما وقد تحولوا من مظلومين إلى ظلمة وحلفاء أقوياء مع أطغى طغاة اليمن، فإنهم يوما عن يوم يخسرون العديد من أنصارهم بل ومن أصواتهم القيادية المحترمة التي تأبى أن تكون جزءا من هذا المشهد المهين.

ومثلما قلت في مقالة سابقة أن على السياسيين اليمنيين الذين يتحاورون مع ممثلي الحركة الحوثية أن يتوقفوا عن هذه الحوار المعوج، لأنه حوار بين خاطف ومخطوف، والخاطف يستخدم كل وسائل الابتزاز والإهانة والضغط والتلويح بالقوة ليجبر محاوريه على التوقيع على اتفاقات بالتأكيد لن تكون إلا في خدمته وحده.

أتمنى على كل السياسيين أن يرفضوا الدخول في مجلس رئاسي يصبح نسخة مكررة من حكومة الوفاق الفاشلة، فالعصابة التي أعاقت رئيس منتخب شعبيا من ممارسة عمله لا يمكن أن تسمح لرئيس أو أعضاء مجلس رئاسي تصدقت عليهم هي بالوصول إلى هذه المناصب.

لا أتصور أن هناك شخصية محترمة أو حزبا سياسيا محترما يقبل على نفسه بأن يكون شريكا مع مجموعة مسلحة في مشروع مغامر وتحت تهديد السلاح وبمهلة زمنية محددة خوفا من تهديداتها باللجان الثورية المزعومة.

ارفضوا الاشتراك في مشروع إنقاذ الحوثية من ورطتها ولا تخيفنكم اللجان الثورية الزائفة، لأن عمرها الافتراضي أيام فقط وهم لن يفعلوا معكم ومع البلد أكثر مما قد فعلوا ولئن فعلوا فلن يفعلوا بمفردهم أسوأ مما سيفعلون بمشاركتكم، فدعوهم وحدهم يتحملون مسؤولية حماقاتهم وتصرفاتهم الطائشة.

ليس كل تهديد يدل على قوة صاحبه، فما أكثر المرات التي يلوح القط المذعور بمخالبه في وجه الأسد أو النمر، والأسد والنمر هنا هو الشعب الذي يخرج بمئات الآلاف في أكثر من 17 محافظة رافضا الانقلاب الحوثي وسلوك أصحابه الباعث على التقزز.

برقيات:

*   لم يقل بيان الحوثيين شيئا عن القضية سوى نصف سطر، وهو الدعوة إلى الحل العادل للقضية الجنوبية، وهي عبارة قالها كل اللصوص الذين نهبوا الجنوب فالحل العادل يمكن أن يكون عند الحوثيين إعادة توزيع الغنائم على النحو الذي يسمح لهم بنصيبهم من منهوبات الجنوب.

*   من الواضح أن الحوثيين يضمرون للجنوب الكثير من التدابير القاتلة فهم إذ يرفضون الأقاليم، ويرفضون فيدرالية الإقليمين التي يرفضها الجنوبيون أصلا مطالبين باستعادة دولتهم، يكشفون (أي الحوثيين) عن وجه سافر مختلف عن ذلك الذي ظل أنصارهم يتظاهرون به أثناء مؤتمر الحوار في صنعاء.

*      يقول الشاعر الفيلسوف إيليا أبي ماضي:

امنحــــــيني،  يا نجوم، الألقا         وهبيني، يا زهور ، العــبقا

أبعث  الشعر إلى  الدنيا هوى         وضـــياءً وغـــناءً شــــــيّقا

فإذا خامر نفــــــــــسا طربت          وإذا يروى  لباكٍ صفــــــّقا

فمن  الشــــــــعر لقوم  حكمةً         ومن  الشــــعر لأقوامٍ  رقى