غضب الكثيرون من كاتب هذه السطور عندما دعا رئيس الجمهورية في مقالة سابقة إلى التخلص من سرعة السلحفاة والانتقال إلى مواكبة عصر سرعة ومضة التيار الكهربائي' واعتبر البعض هذه المقالة نوعا من الشتيمة أو التشفي بالرئيس هادي، وربما لا يعلم هؤلاء أن كاتب هذه السطور كان من أوائل من دعوا الجنوبيين الى التوقف عن مخاصمة الرئيس والتصادم معه والتعامل معه كغريم.
نحن عندما ننتقد أخطاء الرئيس لا ننطلق من موقع المجابهة والسخرية، لا! إننا نحاول حثه على التعاطي بديناميكية مع التحديات الكبرى التي تواجه الجميع وهو على رأس هذا الجميع، لذلك سنظل نشير إلى ما نراه ينفع الرئيس على افتراض ما ينفعه ينفع الكل، وسنظل نتناول ما يضر الرئيس باعتباره سيجلب الضرر على كل المجتمع أفرادا وجماعات على السواء.
ولعل الجميع يلاحظ كيف يسخر الرئيس وقته لمقابلة الوجاهات وعقد الاجتماعات المطولة وبعضها ليس له أي قيمة غير القيمة الدعائية، والرئيس ليس بحاجة الى عملية دعائية أكثر من حاجته إلى الإجراءات العاجلة التي تحميه أولا وتحمي تطلعات المراهنين عليه ثانيا من الوقوع مرة أخرى في فخ الاختطاف بالمعنيين اللفظي والمجازي.
قال لي أحد الأصدقاء وهو من الناشطين السياسيين المخضرمين ما معناه " لو كنت في موقع الرئيس هادي لأقدمت فورا على اتخاذ قرار بتغيير كل القيادات العسكرية التي ما تزال تتلقى أوامرها إما من سلفه وإما من خلفه المزعوم" قلت لصديقي "لكنه قد يغير القيادات بلا جدوى إذا ما ظلت الألوية بأفرادها وصف ضباطها وضباطها موالية لسلفه الذي انتقل من العمل سرا إلى العمل علنا ضد الرئيس". قال صديقي" إن الأفراد قد يبقون على ولاؤهم لصالح لكنهم لن ينفذوا إلا الأوامر التي يتلقونها من القيادات التي يفترض أن يضمن الرئيس عدم ولائها إلا لمهنيتها وللوطن والشعب، وعلى العموم " أضاف صديقي " ما الذي يمنع الرئيس وفي إطار رد الاعتبار لأبنا الجنوب الذين استبعدوا من المؤسسة العسكرية والأمنية أن يعيدهم الى أعمالهم وأن يفتح باب التجنيد لأبنا الجنوب لاستقطاب أكبر عدد من الجيل الفتي وضمهم إلى شرفاء القوات المسلحة ممن احتفظوا بولائهم للوطن ولم يلوثوا شرف المهنة بموالاة المجرمين والمتساقطين؟"
يا سيادة الرئيس!
إن وجودكم في عدن لا يعني أنكم في مأمن، ناهيك عن أن ما تبقى من الدولة (المفترضة) ليس في مأمن أيضا، لأن من اختطفوا الدولة في صنعا وغيرها من مدن الشمال هم موجودون بين ظهرانيكم، ولن يتوقفوا عن مشروعهم بعيد المدى لكنهم يرتبون أولوياتهم، فماذا ترتب أنت من أولويات؟ وماذا تنتظر لتصحح وضع الألوية والوحدات العسكرية التي تعمل ضدك أولا وضد الوطن ثانيا؟
لقد لاحظ الجميع كم من الوقت استغرق رئيس الجمهورية بعد وصوله إلى عدن حتى غير مدير أمن عدن المتهم بعشرات جرائم القتل، دعك من جرائم الفساد والعبث والتلاعب وغيرها من الجرائم التي هي سمة لمعظم الموظفين الحكوميين من المدنيين والعسكريين، هذ المدير الذي لم يحل إلى المحاسبة بل انتقل فقط إلى وظيفة أخرى قد تكون أفضل وضعا لممارسة الفساد والعبث، بينما عشرات الألوية في المحافظات (التي يناصره مسؤولوها) تخضع لقيادة موالية لخصومه، وأمام عينيه وعلى طاولته ملفات لمئات الأسماء من القادة المحترفين والشرفاء ممن استبعدوا من أعمالهم لجنوبيتهم فقط أو لأن فخامته لا يرغب في استقطابهم لأسباب يعلمها وحده.
إن تجنيد الشباب وترتيب أوضاع آلاف الضباط والجنود الجنوبيين الذين استبعدوا من أعمالهم بعد ١٩٩٤م يمثل أولوية قصوى للاستفادة من كفاءة وخبرات ونزاهة أولائك ولتوسيع حضور من لا يرتبطون بمراكز القوى التي تستهدف وأد ما تبقى من الدولة (المفترضة) وتشكيل اصطفاف واسع من المحترفين العسكريين المتمتعين بالنزاهة والمهنية والولاء للوطن، ولتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وأخيرا لحماية الجنوب من تكرار الغزو ولحماية الرئيس نفسه من تكرار الاختطاف وهذه المهمة لا تقبل التأجيل وأي تأجيل لها يعني الانتظار أمام بوابة وكر كل الوحوش المتربصة بكل أمل يعلقه المواطنون على المستقبل.
لقد كان علي عبد الله صالح حريصا على الفعاليات الدعائية التي لم تكن تخلو من توزيع الرشاوي وشراء الولاءات كما حرص على كسب الوجاهات مقابل الإهمال الكامل للشعب بل ومخاصمته والتفريط بمصالحه، وبرغم أن المخاطر التي كانت تحيط به لم تكن ترى بالعين المجردة فإن كل ذلك لم يحمه من غضب الشعب عندما حانت لحظة الحساب، وهكذا فإن السير على نفس منهاج تلك المدرسة في ظل الوضع الاستثنائي والمخاطر المحيطة بالرئيس وبالبلد من كل مكان يعد استنساخا سيئا في ظروف سيئة لتجربة سيئة في الأصل بنيت في ظروف أكثر أمانا وطمأنينة
والله من وراء القصد!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك