قال أحد المقربين من الرئيس عبدربه منصور هادي أنه وبعد انتهاء الأعمال العسكرية الجارية في البلد سيبدأ "العمل على بناء جيش وطني يمني". يحمي الوطن والمواطنين ولا يعمل ضدهم.
إن عبارة "الجيش الوطني" هي عبارة مراوغة ومظللة ولا تعكس بالضرورة ما تعنيه المفردتان المكونتان لها، ولقد ظل نظام علي صالح يكرر نفس العبارة عدة مرات في اليوم الواحد، وما أكثر الألفاظ والنعوت التي كانت تلحق بعبارة الجيش اليمني، من "حزب الوطن الكبير" إلى "صمام أمان الثورة والجمهورية" أو "درع الوطن" وغير ذلك من أشباه الجمل الاسمية التي تقول الكثير لكنها لا تعني بالضرورة ما تعبر عنه الأ لفاظ المستخدمة فيها.
لقد كشفت الأيام منذ وقت مبكر أن المؤسسة العسكرية والأمنية اليمنيتين لا علاقة لهما بالوطن ولا بالمواطن، وأنهما أنما تم تأسيسهما لحماية النخبة الحاكمة، التي بنتهما وليس حتى الجهاز الحاكم ككل بل عائلة "الزعيم" وأنصاره، وكما لاحظنا مرارا فإن هذه المؤسسة لم تخض قط حربا إلا ضد الشعب اليمني ولم تنتصر قط إلا على الشعب ولمصلحة الحاكم الذي كان دوما العدو الأول للشعب.
لم يقل علي صالح وإعلامه أن الجيش ليس جيش الوطن بل لم يجرؤ أحد حتى من خصوم النظام على البوح بما تعبر عنه تلك المؤسسة القمعية التي التهمت سنويا ما بين ربع وثلث الموازنة المالية العامة للدولة دون أن تقدم شيئا للمواطن والوطن سوى القمع ونشر الرعب وتوسيع الحروب والنزاعات والاتجار بالسلاح والذخيرة والعتاد العسكري.
لقد كلف بناء هذا الجيش الكثير والكثير مما استقطع من لقمة المواطن وحصته في الدواء والتعليم والرعاية والخدمات المختلفة التي ما تزال تمثل حلما للكثير من اليمنيين كالماء النقي والكهرباء وخدمات الاتصالات الرقمية والطرقات وغيرها مما أصبح لدى الكثير من الشعوب أقرب إلى الخدمة المجانية اليومية، ونعلم جميعا كم هي مرتفعة كلفة تحطيم هذا الجيش الكارثة حتى وإن كان من تحملها طرف آخر غير اليمن واليمنيين.
إنني أدعو جميع المفكرين والمثقفين والمنتميين إلى القوى المدنية من الكتاب والأدباء والباحثين والصحفيين والمهندسين وأصحاب الكفاءات والأكاديميين والحرفيين ومنظمات المجتمع المدني إلى التفكير مليا في التقدم بمبادرات جادة تدعو الساسة اليمنيين والشركاء الدوليين إلى اتخاذ خطوة جريئة وجادة تهدف إلى تحريم إنشاء مؤسسة عسكرية رسمية أو مليشياوية في اليمن، سواء بقي اليمن دولة واحدة أو صار دولتين، والاكتفاء بإنشاء مؤسسة شرطوية وطنية ذات طبيعة فيدرالية ينتسب إليها أبناء كل إقليم في إقليمهم، وكل محافظة في محافظتهم، مؤسسة تشمل كل الأقسام الشرطوية المتعارف عليها من بحث جنائي وأمن عام وشرطة المرور والسجون وقسم متخصص في مكافحة الإرهاب، على أن يعطى لهذه المؤسسة ما يكفي من التأهيل والرعاية والمساندة المحلية والدولية على النحو الذي يمكنها من القيام بمهماتها على الوجه الأكمل، وبما يمنع من تحولها إلى مؤسسة عائلية أو حزبية أو قبلية كما جرى مع مؤسستي الأمن والدفاع الراهنتين.
لنسأل أنفسنا الأسئلة التالية ولنحاول الإجابة عليها بعيدا عن التعصب والتشدد: ما حاجتنا إلى جيش لا يحارب في الخارج في وقت ليس لدينا فيه أية مشاكل مع دول الجوار ولا مع غيرها؟ وما حاجتنا إلى إنفاق مئات المليارات سنويا على مؤسسة تتحول إلى وبال على المواطنين اليمنيين؟ وأخيرا لماذا لا نوجه تلك المليارات التي يبتلعها هذا الجيش إلى مجال التنمية وفتح أبواب للعمل المنتج الذي يمكن أن يستوعب من العمالة المنتجة أضعاف من يذهبون إلى المؤسسة العسكرية ليتحولوا إلى أعداء للمواطن وأدوات قمع ضده ووسائل لانتهاك حقوقه ومصادرة حرياته؟
ملاحظة:سويسرا هي الدولة الأولى وربما الوحيدة في العالم التي لا جيش لها وفي بنوكها تحتشد آلاف الترليونات من أموال كبار الرأسماليين والأثرياء العالميين وهي المكان الأكثر أمنا لإيداع الأموال والثروات الثمينة، وواحدة من أفضل البلدان احتراما لحقوق الإنسان وخلوا من الفساد، فهل يمكننا أن نغدو سويسرا أخرى بلا سلاح وبلا جيش وبلا أسباب للتوتر والاقتتال؟