اليمن.. عشية جنيف 2 خندق لا خندقان
* بقلم: عبدالوهاب العمراني
خندق السلام لا خندق الحرب وفق رؤية سلام مشترك لكل اليمنيين ينبغي نظريا أن يسير جنيف في محطته الثانية وفق هذه الرؤية ، لكن للأسف واقع الحال يختلف كليا ففي كيمياء المشهد السياسي والعسكري اليمني تفاعلات وتداخلات تفرز حقائق مذهله وغير متوقعه تحالف الخصوم وعداوة الأصدقاء والأقربون، بطريقة حيرة المراقبين السياسيين وهذه سنة وبدعة يمنية منذ عقود مضت فمألآت سقوط صنعاء في العام الماضي يتضح جلياً من خلال تلاحق الأحداث في مسلسل درامي مؤسف بما لا يدُع مجال للشك بأنه نتاج مؤامرة على الربيع العربي في نسخته اليمنية ، وبرغم واجهته الحوثية إلا انه في سياق تأمر محلي وإقليمي واسع النطاق فلولا تواطئ الدولة العميقة التي تدين بالولاء للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وكذا خذلان وتواطؤ الرئيس الحالي هادي والذي لا يتسم بالصفات الكرازمية التي عرف بها سلفه وظل يمارس دور النائب بعد أن قذفت به الأقدار لقمة السلطة في تسوية مموجة حملت بذور فنائها في طياتها بمنح الرئيس السابق حصانة لم يحلم بها أي دكتاتور عربي ، فالفراغ السياسي في اليمن غداة الربيع العربي وما رافقه من عدم استقرار وتدهور امني وعوز اقتصادي جعل الرأي العام مهئ لاي تحول أو تغيير مجهول الرؤية كان ذلك متزامناً مع دور خارجي ذو شقين فالأول سياسة السعودية ألتي انصرفت لاهتمامات إقليمية ودور سياسي لا يخدم مصلحتها والذي تجسد في إسناد النظام العسكري في مصر والتأمر على الثورة السورية متجاهلة في نفس الوقت الحالة المتردية في اليمن مما ترك المجال مفتوح لتغلغل الحوثيين في دولة متهالكة زادوا من هشاشتها وتأكلها ، كان ذلك بدعم وخطة إيرانية مدروسة بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي .
فمخطط سقوط صنعاء والانقضاض على السلطة والذي أعد في بيروت من قبل الحرس الثوري الإيراني وخبراء لبنانيين في صيف العام الماضي ونفذ بسلاسة منذ سقوط مدينة عمران قبل بضعة أسابيع من حصار العاصمة اليمنية ومن ثم سقوطها المدوي خلال العام المنصرم .
حدثت جملة تحولات متلاحقة في المشهد اليمني عندما استقال رئيس الحكومة التوافقية أعقبه بساعات تقديم الرئيس هادي نفسه أعقبهُ ذلك قيام الحوثيين بفرض الإقامة الجبرية لرئيس الدولة وحكومته انتهى بهروب هادي وفق خطة أفصح عن بعض تفاصيلها لاحقاً ، أعقب ذلك التحاق رئيس الحكومة به وأنذاك شنت الجهات الانقلابية قصف بالطيران على عدن لتقضي نهائيا على هادي الذي يرمز للشرعية متزامناً مع سياسة إسقاط المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى ففي الوقت الذي كان الحوثيين يتحاورون في فندق (موفمبيك) برعاية أممية والدول العشر الراعية كانوا في نفس الوقت يتوسعون في اغلب المحافظات اليمنية بغرض فرض سيطرتهم عليها كان ذلك قبل انطلاق ما عُرف بعاصفة الحزم وهذا ما يؤكد بان القضية يمنية يمنية وما مفردة العدوان سوى مسوغ وحق أريد به باطل وطوق نجاه للانقلابيين .
تسعة أشهر حوار أفضت لأكثر من تسعة أشهر حرب ، وعندما كان الحوار يدار في الموفمبيك كان الحوثيين يشلحون الدولة قِطعة قِطعة ويسقطون المدن بقوة السلاح ، فالحوار كان في واد وذلك الواقع المزري في واقع آخر ، واليوم نسخة مُعادة من تلك الثنائية فهرولة ما يمسى بالشرعية للحوار في واد وواقع المشهد العسكري في وادي آخر
اقل من أسبوع يفصلنا عن ماراثون المحادثات فيما عرف بجنيف 2 ، واللافت أن الحكومة هي التي تهرول لحل سياسي رغم إنها متسلحة بالقرار الدولي الذي انتزع من الامم المتحدة بالإجماع بما فيها روسيا ورغم ذلك ومنذ ما يقارب النصف عام من إصدار ذلك القرار فالحوثيين لم يبدون حسن ينة بل زادهم الأمر غروراً وصلفاً وبدتّ الحكومة هي من تبحث عن السلام وليس الحوثيين الذين يماطلون ويتلاعبون ويتلكؤن كسباً للوقت من خلال تحركاتهم السريعة على الأرض واحتلال مناطق جديدة ومتعددة وتعزيز مليشياتهم في كل الجبهات. ومن يتضح جلياُ بأن الحرص على السلام يبدو فقط من طرف واحد وهو طرف الحكومة مما جعلها ونظام هادي ومن خلفهم التحالف يبدون في موقف ضعيف، وينشدون السلام من ألذي يذبح كل فرص السلام ، ويلهم هذا الأمر الحوثيين باعتقادهم أنهم يبدون أقوياء وأن الطرف الآخر في موقف ضعيف.
الإجماع الدولي والإقليمي حول الملف اليمني وبمضمون القرار الدولي 2216 والحرص على تنفيذه يمثل إطاراً وقائياً مزدوجاً لاستعادة الدولة من سلطة الاجتياح المليشياوية الحوثية من جهة ، كما انه يمثل إطاراً أساسياً يجسد شرعية الجمهورية اليمنية في مواجهة أي توجهات محتملة تسعى لتقسيمه كأمر واقع ، وتحديداً التوجهات الغامضة للرئيس " الشرعي " ورئيس حكومته ، وخلفهما غموض موقف مكوني التحالف السعودية والإمارات من عبث وتجاذب قد يرمي لتشظي اليمن ، وفرض أمر واقع ، ولا يعيقه سوى " شرعية الجمهورية اليمنية " وهو العنوان الذي تخاض الحرب تحت هذه الراية كحق أريد به باطل ليس إلا.
يريد تحالف صالح والحوثي أن يحول الاهتمام من الحشد العربي ضد الانقلاب وتنفيذ القرار الدولي إلى حرب دولية ضد الإرهاب بزعامة روسيا والولايات المتحدة.
يستلهم الحوثيون ومعهم الآلة الإعلامية للرئيس السابق محاكاة تطورات إقليمية لصالحهم سواء في التحالف الدولي ضد داعش والتوتر في العلاقات الروسية التركية ونحو ذلك من تطورات باعتبار تفاعل تلك التطورات في الرأي العام اليمني والعربي ترفع معنوياتهم في موازاة الخسائر والانهيار الوشيك للحركة جراء استمرار وتيرة الحرب ومن هنا فلا يُعقل ان يضحوا بكل ماكسبوه وعملوا له خلال سنوات مضت ويقدمون أنفسهم قربانا للقرار الدولي والذي هو بمثابة استسلام دبلوماسي في نظرهم فلا يعقل ان يسلموا رقابهم لحكومة ضعيفة تستجدي السلام منهم. حتى وإن نشدوا السلام فإنهم ينشدونه في وقت تضييق الخناق عليهم ريثما يستعيدون أنفاسهم ويرتبون صفوفهم ، وفي حال بقائهم ستبقى كارثة نفقاتهم الحربية عبئا كبيراً يثقل كاهل الدولة في ظل شح الموارد لان دول الخليج لن تضخ أموالاً كافية لعدو مستقبلي مفترض خاضوا معه حرب طويلة ، وبداهة ووفق هذه المعطيات فأنه لا يعقل أن يتصور أحد أنهم سيضحون بكل مكاسبهم وفق هذه المسوغات فتجارب الفترة الانتقالية غداة اندلاع ثورة الربيع العربي في نسخته اليمنية أثبتت تجارب تعامل الطيف السياسي اليمني مع هذه الحركة أن ينقضوا على كل اتفاق يبرمونه مع الآخرين ويعودون أقوى مما كان عليه حالهم من قبل ، وهذا يغريهم كثيراً وأسلوب تمرسوا عليه وصار تكتيكاً عندهم منذ أن نشأت هذه الحركة وظهرت على الأرض. وبالتالي من الاستحالة بمكان أن يحفظوا وداً أو يلتزموا بعهد، وتاريخهم مليء بتلك التناقضات. فعلى سبيل المثال فأن اتفاق السلم والشراكة الذي ابرم غداة سقوط صنعاء على أسنة الرماح وصاغوا بنودها بأنفسهم وفرضوها بالأستقواء بالغلبة وعلى مسمع ومرأى بل ومباركة من مبعوث الأمم المتحدة السابق في اليمن ورضاء على مضض بالقوى السياسية التي غدت مجرد (كُمبارس) ومحلل ليس إلا!
وقس على ذلك في حال اتفاق في جنيف على مبادئ معينة ستصدم بالتفاصيل الحقيقية على الأرض وهم لا زالوا متخندقين بأسلحتهم ومن هنا فلا يلدغ اليمنيين من جحر مرتين وفي حال سير هذا السيناريو وفق مشيئة ومخطط الحوثيين سيكون بداهة من خلال تجربة 2011 فهو لن يعطيهم فقط عفو عام وعدم محاسبه من تسبب بالحروب المختلفة والانقلاب وانهيار الدولة ونهب مؤسساتها وأموالها
* كاتب وسياسي يمني