مقدمات الجولة الجديدة من المشاورات بين الحكومة اليمنية والمتمردين، والمقرر أن تعقد في سويسرا منتصف هذا الشهر، غير مبشرة إطلاقا، فالجميع يحشد على الجبهات والمدافع لم تصمت، وجرائم المتمردين لا تبقي على أي شيء من مناخ الثقة، فيما يصر ممثلو حزب المخلوع على إقحام روسيا في المشهد اليمني بأي طريقة. ويقيني أن المتمردين لن يمنحوا هذه الجولة فرصة للنجاح، لأنه ووفقا للوثيقة الأممية الناظمة لهذه المشاورات، ما من مدخل سينفذون منه لتحقيق مكاسب أو لتوجيه مسار المفاوضات بما يخدم مصالحهم التي تتآكل ميدانيا ومعنويا. عاد الناطق باسم مليشيا الحوثي للحديث عن النقاط السبع التي استبعدتها تماما الوثيقة الأممية الناظمة للمشاورات المقدمة من المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، لأن هذه النقاط تنسف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بشأن اليمن. وفقا للوثيقة الأممية ستذهب الحكومة إلى المشاورات بوفد من ستة أعضاء وفريق استشاري، وسيذهب المتمردون بوفد من ستة أشخاص وفريق استشاري، سيتقابلون حكومة ومتمردين، وليس كأطراف سياسية كما كان يتمنى المتمردون الذين لا يعترفون بالسلطة الانتقالية، وبالتالي فهم يريدون مشاورات تبحث في تقرير مصير الرئيس والحكومة، وليس في القضية الجوهرية وهو تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي الذي يعني بوضوح إنهاء الانقلاب ونزع سلاح المليشيا المتمردة وإجبارها على الانسحاب من العاصمة والمدن، وتمكين الدولة من القيام بدورها الدستوري. مرجعية الحوار هو القرار الأممي واتفاق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، ما يعني أنه لن يكون بوسع المتمردين البحث عن بدائل للحل من خارج المرجعة التقليدية والمعتبرة لعملية التسوية، أو الدفع بالأمم المتحدة إلى شق مسار جديد للتسوية تحكمه إرادة من يمسك بالسلاح ويستأثر بالموارد، ويستحوذ على مؤسسات الدولة. اختار ممثلو حزب الرئيس المخلوع طريقا يمر عبر موسكو للوصول إلى سويسرا، في إشارة إلى اندفاع المخلوع باتجاه موسكو لإنجاز ما كان قد حلم به ذات يوم وهو يطل من على أنقاض قصره الذي دمره التحالف في صنعاء، عندما تحدث عن أن المعادلة ستتغير في المنطقة، وبدا من تصريحات نجل شقيق المخلوع يحيى محمد عبد الله صالح التي أدلى بها لقناة روسيا اليوم أن المتمردين يعولون كثيرا على اندفاع موسكو باتجاه المنطقة، وإمكانية أن تطور موقفها من الأحداث في اليمن، وهي مغامرة لا يسمح بها اقتصاد روسيا الذي لا يبدو بخير. على الرغم من حساسية الملف اليمني، فإنه جاء متأخرا نوعا ما في قائمة أولويات القمة الخليجية السادسة والثلاثين، واهتماماتها التي تصدرتها جهود تعزيز الروابط بين دول المجلس والتسريع في إنجاز خطوات الاتحاد، والقضية السورية. ومع ذلك، فقد جاءت الإشارة إلى اليمن في بيان القمة ذكيةً وحكيمة وقوية، إذ أبقت على المستوى نفسه من الالتزام تجاه اليمن، ورحبت بقرار الحكومة الذهاب إلى جولة مشاورات جديدة استنادا إلى قرارات مجلس الأمن واتفاق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، ومؤتمر الرياض. وثمة تأكيدات تضمنها بيان القمة على انغماس دول المجلس بقوة في عمق الأزمة اليمنية، وعدم نيتها التفريط بدورها وبأهداف تدخل التحالف العربي العسكري في اليمن، الذي يشكل مجلس التعاون الخليجي، نواته الصلبة.. فقد تحدث بيان القمة لأول مرة عن نية دول المجلس اتخاذ خطوات باتجاه تأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج في الاقتصاد الخليجي، ونيتها كذلك الدعوة إلى مؤتمر عالمي لإعمار اليمن. لا شيء في الأفق يدل على أن المشاورات المقبلة، ستمثل نقطة انطلاق في مسار يقود إلى الحل السياسي لأزمة مستفحلة، وتبدو متشبثة أكثر بأدوات الحل العسكري، فالعمليات العسكرية مستمرة وتتصاعد، وإن كان التحالف بدأ بإرسال إشارات سلبية بشأن جديته وطبيعة دوره في تعز، حيث تراوح المعارك مكانها، بما لا يتفق مع معادلة القوة الموجودة على الأرض، التي توفر كل متطلبات الحسم العسكري في تعز وتحريرها من مليشيا المخلوع صالح والحوثي. تبدو تعز ومقاومتها والوحدات المحدودة من الجيش التي تقاتل إلى جانب المقاومة، أكثر عزما على النصر من أي جبهة أخرى، ويتساءل المرء، عن الدوافع التي تحمل التحالف العربي على إظهار هذا القدر من الخذلان لجبهة تعز، التي إن استطاع التحالف حسمها بحلول الخامس عشر من ديسمبر فلن تكون هناك حاجة للذهاب إلى جولة مشاورات جديدة. يأتي ذلك فيما تشهد جبهة صرواح في غرب مأرب وفي محافظة الجوف تدخلاً كبيرا للجيش والتحالف ضد المتمردين هناك، يترافق مع تقدم واستعادة معسكرات ومناطق ومواقع استراتيجية في هذه المناطق. أمر لا يدل سوى على استمرار التدخل العسكري من جانب التحالف، وعلى أن بقاء خيار الحسم العسكري هو المرجح في اليمن، على الرغم من الإشارات المتناقضة التي يرسلها هذا التحالف من جهة تعز. مقال للكاتب في موقع "عربى21"