* بقلم: عبدالوهاب العمراني
عشية لقاء سويسرا بين الأطراف اليمنية المتحاربة ، فأنه يمكن بأن مستقبل اليمن يرتكز على ما ستسفر عنه تلك المباحثات ، واللافت كلما طال أمد الحرب زادت المعالجات والحلول تعقيداً ، فما كان ممكنا بألأمس أصبح اليوم أكثر صعوبة وقد يكون مستحيلاً غداً ، وربما يعتقد الطرفان بأن الاستحقاقات لكل منهما تضاعفت ، ولا يمكنها إن يتراجعان في منتصف الطريق لأنه بمثابة هزيمة سوى كان لدول التحالف التي ترى في المد الايراني بواسطة الحوثيين خطراً محدقاً بها او الانقلابيين في اليمن الذين ادركوا منذ اللحظة الأولى لتدخل هذه الدول مؤشراً لنهاية مشروعهم ، ولطالما ماطل الحوثيين للاستجابة للقرار الدولي 2216 الذي صدر قبل أكثر من نصف عام لأنهم بالفعل يشعرون بأنه استسلام دبلوماسي وبطريقة ناعمة !
ومن هنا وعلى خلفية تكالب كل هذه القوى الدولية والإقليمية فأن نظرية المؤامرة لإدخال اليمن في مستنقع تحت راية محاربة الارهاب يعد أمراً واضحاً جلياً لكل لبيب وليس من باب المبالغة أو الأوهام بل تأكيداً بأن حركة الحوثيين وخلط الأوراق بالإطاحة بالشرعية ومخرجات الحوار الوطني الذي طال أمده والخروج عن الإجماع والتوافق بالقفز لمربع للمجهول واستدعاء العدوان على اليمن فغدت القضية اليمنية اليوم هما خليجيا وأمناً قومياً لها بل ومصير وأصبحت دول الخليج هي المشكلة وهي الحل في نفس الوقت ، بدأت خيوط المؤامرة كسوريا بتحويل الأنظار والرأي العام من صراع ثورة ضد حاكم مستبد الى قضية محاربة الإرهاب ، بل وتغيير خارطة المنطقة بأدوات يمنية بحرب طويلة يكون اليمني وقوداً لهذه الحرب !
وأدوات ذلك بداهة هو استعادة الدولة العميقة للرئيس السابق بواسطة ميليشياء الحوثي أي ان هذا الثنائي سيمضى لآخر الطريق ولو تبدلت الوجوه والمسميات ليكون بمثابة حجر الزاوية في جنوب الجزيرة العربية وسيعيد اليمن إلى شطريه السابقين في أقل الاحوال وربما يتشظى لأكثر من دويلة ، كي يتسنى استكمال "سايكس بيكو" جديدة تعيد ترتيب خرائط المنطقة.
الوضع جيوسياسياً في غاية الخطورة والحساسية فواقع الحال هناك سلطة أمر واقع انقلابية متمردة خارجه عن الشرعية تبسط سلطتها على معظم المحافظات المهمة في الشمال في حين تسيطر قوة أخرى مسنودة عربيا تحت عنوان الشرعية على كل الجنوب ، وعليه فأن أي اتفاق على لوقف دائم للحرب بناء على القرار الدولي 2216 سيخلق بداهة سلطتين كأمر واقع أيضا !
وكما أن اغتصاب السلطة افرز هذه الحرب فأن تقسيم اليمن على هذا النحو في أجواء حرب متوترة من المؤكد لن يكون بهدف استقراره ضمن دولتين ، وإنما تأسيسا لموجة جديدة من الحروب بين الشمال والجنوب وفي داخل الشمال وداخل الجنوب ، في إطار انقسامات وإرث صراعي قائم الآن ، ومن غير الممكن تجاوزه إلا بحل شامل لليمن كلها وفي إطار كيانها الوطني الواحد وليس بالتقسيم والتجزئة ، وهذا ما تعلنه على الأقل بعض القوى الإقليمية والدولية التي تدعو للحل في إطار اليمن الموحد ومن ثم وبعد تجاوز مرحلة النقاهة ينظر في شكل الدولة فدرالي او منح صلاحيات واسعة لبعض الأقاليم ونحو ذلك فثورة الربيع العربي قامت لإشكال بين الحاكم والمحكوم وليس بين الشعب والأرض فما ذنب الوطن يقسم حسب أهواء الساسة .
إجمالاً ما سيحدث في سويسرا بعد ساعات يمكن القول بأن اليمن على مفترق طرق " ثورة الربيع في نسخته اليمنية " ستفاوض " الثورة المضادة " في حال الإصرار على عودة الدولة العميقة الفاشلة بواجهات مختلفة والتي خلقت كل هذه التناقضات وأفرزت هذه الحرب فأن اليمن بداهة سينزلق للمجهول فتقسيم اليمن على هذا النحو وأبعاده الجهوية التي نتجت أثر استقطاب طائفي حاد باسم المظالم تارة و(الحق الإلهي) تارة أخرى قد ينتهي وفق هذا السيناريو المخيف .
المشهد السياسي اليمني كما في الكيمياء تفاعلات وتداخلات تفرز حقائق مذهله وغير متوقعه تحالف الخصوم وعداوة الأصدقاء والأقربون ، بطريقة حيرة المراقبين السياسيين وهذه سنة وبدعة يمنية منذ عقود مضت، وقلما تحدث في بلد آخر،لقد نجح الرئيس السابق بدهائه ان ينتقل من زاوية العداء لإيران لثلث قرن ودفع اليمن الثمن بترحيل نحو مليون مغترب اثر تأييده المطلق لغزو صدام حسين للكويت ، واليوم يحرف بوصلة الولاء في خندق الشعوبية والولاء لمن اعتبرهم خصوم العرب بتحالفه مع أنصارهم في اليمن أي الحركة الحوثية ، والخطير في هذا انه أيضا تمكن من إيهام الرأي العام اليمني بمحاولة أقناعة ويسوغ له آلة إعلامية مستأجرة عربياً ومن ورائه إعلام الحوثي وإيران وبمفردة السيادة في مواجهة عدوان التحالف يريد ثنائي صالح والحوثي ان يحول الاهتمام من الحشد العربي ضد الانقلاب وتنفيذ القرار الدولي الى حرب دولية ضد الإرهاب بزعامة روسيا والولايات المتحدة ، وما تصريح نجل شقيق صالح في موسكو لقناة (روسيا اليوم العربية ) بدعوة روسيا للتدخل في اليمن على غرار تدخلها في سوريا ، وبغض النظر عن تفاصيل ذلك ومدى تجاوب الروس الذين يدركون حساسية المنطقة وحرصهم على عدم فتح جبهة أخرى في جنوب الجزيرة ، الا انه يؤكد بأن سيناريو خطير يُراد له ان ينفذ لتغيير خارطة الجزيرة العربية بدون جندي خليجي او سعودي واحد وأنما على أكتاف اليمنيين ، فكما أوكل لليمنيين في عهد صالح أن يحاربون القاعدة نيابة عن السعودية فاليمن يراد لهم مواصلة ذلك بإسم مكافحة الإرهاب والخروج عن خط ثورة الربيع العربي التي كان جوهر المشكلة الصراع بين الحاكم والمحكوم وليس بين الشعب والجغرافيا بالتقسيم تحت مسميات مكافحة الإرهاب.