في أحدى شوارع عدن الجميلة بطبيعتها والكئيبة بسبب الكثير من قاطنيها شاهدت عبارة في زجاج أحد الباصات شدتني وأعجبتني كثيرآ لدرجة إنني حفظتها في حينها فهي تشرح المأساة التي يعيشها المواطن العدني المغلوب على أمره..تقول هذه العبارة: عندما تنتهي الحرب ويرتقي الشهداء يخرج الجبناء من اﻷزقة ليتحدثوا عن بطولاتهم..
لقد شاهدت الشطر اﻷخير من هذه العبارة في سلوك الكثير من هؤلاء الذين يدعون البطولة وهم مدججين باﻷسلحة ويختالون بخطواتهم في شوارع المحافظة عدن وجل هؤلاء من الشباب الذين تراهم جماعات يستلبون اﻹتاوات من بائعي القات وأصحاب اﻷكشاك والباعة المتجولين.
في مشهد آخر كنت مع أحد أقاربي في زيارة لأحد أصدقائه في أحد أقسام الشرطة فشاهدت موقفآ أثار في نفسي اﻹشمئزاز لما وصلت إليه الحالة في محافظة عدن، فعندما كنا ننتقل من قسم ﻵخر شاهدت مشاجرة بين إثنين من أفراد المقاومة أحدهم كان يمنع اﻵخر من إطلاق سراح أحد السجناء المتهمين بالسرقة وكان هذا اﻵخر قد وعده السجين بمبلغ من المال بمجرد أن يطلق سراحه وفي أثناء مشاهدتي للمشاجرة سمعت صوت إطلاق نار في باحة قسم الشرطة فركضت مهرولآ ﻷشاهد مصدر الصوت فرأيت أحد أفراد المقاومة الذين خرجوا من اﻷزقة ليتحدثوا عن بطولاتهم بعد إنتهاء الحرب شاهرآ سلاحة لزميلآ له قائلآ له: أعطني إياها وإﻻ سأضعها بين رجليك (يقصد الرصاصة) فيرد عليه زميله التي بدأت رجليه ترتعد يافلان لاتمزح بالسلاح، في هذه اﻷثناء كان قريبي يضحك عندما شاهدني مستغربآ ومستنكرآ هذا الفعل ولم أشعر بوجوده خلفي إلا بعد أن سمعت ضحكته فإقترب مني وقال: إنهما يمزحان.. فقلت له متسائلآ: أيمزحان بالسلاح وفي قسم الشرطة؟ فقال لي هذا هو الحال في عدن، فذهبنا إلى زنزانة القسم ليزور أحدهم فشاهد قريبي سجين آخر غير الذي جاء ليزوره فألقى إليه السلام وقال له لماذا أنت هنا يافلان؟ فرد عليه صديقه السجين ضاحكآ وبكل برود قائلآ: لقد قتلت صاحبي..وبصوت واحد صرخت وقريبي قائلين: ماذا؟، لم تطول دهشتنا لﻷمر فقد بدأ يشرح لنا السجين القاتل حكايته قائلآ: كنت وصديقآ لي جالسين معآ فكنت أعبث بسلاحه وكان خاليآ من الطلقات وبعد فترة وجيزة ذهبت ﻷقضي حاجة لي وفي أثناء غيابي قام صديقي بوضع طلقتين في سلاحه وعندما عدت لم يخبرني صديقي بوضعه طلقتين في سلاحه وكان يقصد ممازحتي فإستأذنني لدقائق ليقضي حاجة له وذهب، فدخل علي صديقآ لنا وعندما أخذ مكانه وجلس حملت السلاح وبدأت أعبث به وصوبته لرأس صديقي أمازحه معتقدآ خلوه من الطلقات وضغطت على الزناد وتفاجأت بخروج رصاصتين أردته قتيلآ وهاأنذا هنا.. فلم أتمالك أعصابي وقلت لقريبي أنا سأذهب.. ﻻأستطيع أن أحتمل أكثر فيكفيني ماسمعت ومارأيت وأثناء ماكنت ذاهبآ ناداني القاتل أن أقترب وعندما إقتربت ناولني مفتاح وقال لي أفتح قفل الباب ففتحت له وإستدرت ﻷرى قريبي وهو يكلم صديقآ له فذهبت إليه وقلت له هل تعلم بأن القاتل لديه مفتاح الزنزانة وفتحت له؟ فقال لي ضاحكآ لقد ذهب حارس الزنزانة ليقضي حاجته وترك المفتاح لدى السجناء ﻷجل إن رغب أحد السجناء للذهاب إلى دورة المياه..فبقيت مندهشآ لبعض الوقت لما جرى ويجري في عدن الحبيبة من هؤلاء السفهاء والعابثين في أرواح الناس، ثم سألت قريبي مع العلم بأنه أحد أفراد الشرطة الرسميين وأنتم متى ستعودون لمباشرة أعمالكم؟ فأجاب وتملأه الحسرة قائلآ: إقترح مأمور المديرية بأن نعود ﻷعمالنا بالمشاركة مع أفراد المقاومة الذين شاهدت تصرفاتهم وأعمالهم الفوضوية واللامسؤولة ولكننا رفضنا رفضآ قاطعآ للعودة لأعمالنا بالمشاركة مع هؤلاء اﻷقزام تجنبآ للتصادم معهم فهم يبحثون عن الفيد ونحن نبحث عن فرض النظام والقانون.
يسأل الكثيرون عن إصرار الحكومة في ترك أقسام الشرطة يعبث بها العابثون مع وجود أفراد أقسام الشرطة المؤهلين من سابق وقد شغلوا من قبل مواقع هؤلاء ذوي الفيد والفوضى بحجة وجود شباب في طور التأهيل. وإلى متى سيطول إنتظار مواطني المحافظة عدن لتحل قضاياهم المهملة في أدراج أقسام الشرطة؟.
أسئلة ينتظر المواطن العدني الإجابة عنها من أفواه أولئك الذين بيدهم زمام اﻷمر.
علي هيثم الميسري