في اليمن .. زعيم سئ السمعة
*بقلم: عبدالوهاب العمراني
في خطابات الرئيس السابق خلال الحرب يلاحظ تفاعل وردود أفعال اجتماعية بالنظر لما يحتويه من تناقضات صارخة من جهة ويعكس حالة نفسية على خلفية تواري طرفي الانقلاب ليس عسكرياً فحسب بل شعبياً فبقدر ما كانت هذه الحرب التي تسبب بها طرفي الانقلاب طوق نجاه لمغتصبي السلطة بحيث منحتهم شعبية زائفة مؤقتة وفي مناطق معينة في اليمن ، فأن هذا الالتفاف الشعبي سرعان ما تلاشئ لاعتبارات كثيرة منها تزايد حالة الواعي الشعبي والحالة الاقتصادية الخانقة والوضع الأمني وانسداد الأفق السياسيي .
وبداهة فإن أي مواطن يمني ذو عقل وبصيرة ، وحتى المتابع العربي والمتفرج اللبيب يدرك أيضاً تناقض صارخ في حالة العشق المحرم لطرفي الانقلاب والوضع السياسي المُسخ فالذاكرة اليمنية الجمعية لتاريخ الصراع على السلطة في اليمن في الخمس السنوات المنصرمة ليست مثقوبة فحسب بل تعرضت لحملة ديماغوجية لشبكة الإعلام التي تُمول من قوت الشعب اليمني تماما كترسانة الأسلحة التي تراكمت على مدى عقود على حساب تنمية هذا الشعب فكيف يتفاخر باقتناء هذه الأسلحة منذ سنوات ولم يبني جامعة واحدة في صنعاء التي تضم ثلاثين ملايين ساكن فالجامعة الوحيدة قبل أكثر من أربعين عاماً مضت وعلى حساب دولة الكويت الشقيق التي وقف مع غزوها فخسرت اليمن جيرانها لربع قرن وطرد مليون مهاجر يمني لكنها كسبت الزعيم لزمن إضافي ليمارس مزيدا من التنكيل وتهديم حلم الدولة المدنية .
في خطاب الزعيم حالة يأس لافت ، وقد يكون ما قبل خطبة الوداع ، وفيه إيحاء بحرب أهليه مقبلة ، ويبدو انه يسعى لتحقيق مقولته المشهورة حرب من طاقة لطاقة لأننا اليوم لم نعيش حرب أهليه.. هي مجرد عدوان داخلي وخارجي بسببهم بدليل إسقاط المدن وعدن عشية عاصفة العجز لكن الحرب الأهلية قد تكون بعد انتهاء هذه الحرب تماما كحرب الستينيات بمجرد انسحاب مصر استمرت الحرب ،بركان حقد يغلي لاحتفالات الشعب بثورة 11 فبراير ، ويبدو من مضمون الخطاب انه يتغزل من الحوثيين الذين حاربهم ستة حروب بعد بداية تفسخ عقد العشق المحرم بين المتناقضين .. يقول زعيم الفساد بأن الرئيس هادي بدون شرعية ومن هو حتى يصنف من هو الشرعي ، اليس زعيم الفساد شرعي ؟ اليس الحوثيين الذي اسقطوا صنعاء على سنابك الخيل وأسنة الرماح
ألم يلاحظ كثير من اليمنيين مدى التناقض في رؤاهم وفقدانهم للبوصلة ، فمن يفترض ان الثورة قامت ضده يتحالفون معه ، ومن حاربهم ستة حروب أصبح حليف معهم ، لا تقول لي مبررات العدوان التحالف قبل العدوان بأكثر من عام أي منذ ما قبل سقوط عمران ، لقد ترك الحوثيين عقيدتهم الجارودية جانباً والثأر لحسين الحوثي ، فتماهت تطلعاتهم للسلطة مع حلم صالح بالتوريث وإصرار الزعيم نفسه على تنصيب رئيس(توافقي – اليد الأمينة) لاعتقاده بأن يقوم بوظيفة المُحلل لرئيس من بعدي اسمه احمد وانتقامه من خصومه حلفأه لثلث قرن الجنرال علي محسن الاحمر وحليفه في حرب 1994م الإصلاح للتنكيل بهم ولو على ركام وطن .
ثم بأي صفة يصف القيادة المتفق عليها محليا وإقليمياً بأنها غير شرعية رغم انه الأخر ليس بشرعي تماما كحلفاء اليوم أعداء الأمس مغتصبي السلطة.
إجمالاً من يتابع حالة المجتمع الافتراضي في اليمن تحديداً يتبين إنها تعكس إلى حد كبير المشهد اليمني القبيح ، فمن جهة يلاحظ حالة وعي لكل ما جرى ويجري من نُخب تدرك تفاصيل وأبعاد وحقيقة الصراع وهؤلاء يضلون يجسدون قيم افتراضية لا تتماهى مع تلك الأصوات المسعورة ، ورؤى هذه الفئة لا تؤثر قيد أنملة في سير الأحداث ، وهم في أحسن الأحوال في موقف المتفرج اللبيب ، وفي المقابل يلاحظ الغالبية وهي الأخرى مكتوفة الأيدي لكن الخطورة إنها تجسد حالة استقطاب مذهبي وجهوي حاد وكأنها الحاضنة الإعلامية لطرفي الصراع وهو الأمر الذي يدمر النسيج الاجتماعي المدمر أصلاً .. ومن هنا فأن هذه الأزمة تختلف عن سابقتها في العقود الماضية في اليمن وسواها ، فثورة الإعلام بقدر ما تقدم خدمة سرعة المعلومة لعموم الناس إلا إنها في المقابل سلاح ذو حدين وربما ضررها أكثر من نفعها ..
وقد أدرك رئيس النظام السابق أهمية وتأثير الإعلام ولاسيما في مجتمع قبلي ونصف أمي ويمجد الزعامات ويحن لجذوره فعزف على وتر الوطنية والاستقلال مستغلاً نقمة اليمنيين من سوء معاملة جيرانهم والنظرة إليهم فقط من زاوية أمنية فحسب .
فآلته الإعلامية منذ عقود يجزل لها العطاء وكان هناك إعلاميين عرب في عواصم عربية يستملون مخصصات مجزية مقابل تلميع صورته بأنه بطل قومي على غرار صدام حسين ولكن تلك الرؤية المنحازة للصف القومي لم يعد هناك ما يبررها وقد اصطف لأعداء النظام الإقليمي العربي ، ومن هنا فقد جأت مفردة » العدوان« بمثابة طوق نجاه لتحالف صالح والحوثي تحت مبرر السيادة والتي لم تعد في قاموس اليمنيين منذ ان عرفوا الرئيس صالح فقد كان رجل أمريكا والسعودية الأول في المنطقة ومن غباء السياسة السعودية اعتمادها على رموز معينة مقربة من النظام السابق من مشايخ وسواهم ، ولوم تفكر بهموم وقضايا اليمن التنموية تحديدا بل كانت محاكاة لرؤية واشنطن في النظرية لليمن من زاوية أمنية فحسب وكأن على اليمنيين مقارعة القاعدة نيابة عن بلدان الخليج . ومن هنا كان مفعول كلمة » العدوان« كالسحر في الضمير الجمعي اليمني ووحدتهم ولو مؤقتا ولاسيما في جغرافيا معينة وليس كل اليمن .
وللأسف فالإعلام اليمني غدا إعلام آخر فأرباب الكلمة والحرف من الوطنيين منهم من قضاء نحبه ومنهم من خطف وقابع خلف أسوار الاعتقال ، واحتكرت الجهة الانقلابية كل مقدرات الدولة الإعلامية وسخرتها لفرض رؤية واحدة تعبر عن لسان حال من خرج على الإجماع وأعاد اليمن للمربع الأول .
ماذا ننتظر من ديماغوجية ثلاثة عقود مضت تعيد إنتاج نفسها تحت راية مقارعة العدوان فطبيعة الأنظمة الشمولية الاستبدادية تبتكر مسوغات البقاء في سوريا خمسون عاماً ونظام آل الأسد وإذنابه يُحكم قبضته على سوريا بحجة ان سوريا في حالة حرب مع اسرائيل، لنكتشف الان انه كان يُحكم قبضته على سوريا ليس لأنه في حالة حرب مع اسرائيل، بل لأنه يحمي إسرائيل من السوريين ، وفي عهد صالح خلال نحو عقدين من الزمن شن زعيم الفساد سلسلة حروب بدأ بالحرب على شركاء الوحدة وأجتاح الجنوب تحت راية حماية الوحدة التي وأدت بيد صانعيها(صالح ،والبيض) ومرورا بستة حروب ضد شركائة اليوم كان ضحيتها عشرات الآلاف من اليمنيين ، واليوم يشن حرباً ضروس ضد كل اليمن بحجة مقارعة العدوان ، مع أن العدوان نتيجة وليس سبب ، فمن فقد بوصلة ترجيح الأسباب أن يتسائل لماذا قصفت عدن قبل أيام من العدوان . ولماذا لم توجه المدفعية الى الحدود السعودية إلا بعد خروجهم من عدن أي بعد بضعة أشهر من بداية (العدوان) ؟
* كاتب وسياسي من اليمن