*بقلم : عبدالوهاب العمراني
عندما يكون الشعب مضلل بمسميات ليست في محلها يكون تبعات ذلك كارثية على النحو الذي نشهده اليوم ، فلا ديمقراطية إلا بمشيئة السلطة وعلى مقاسها وتصب في ديمومة الحاكم ، والجمهورية كان يراد لها أن تكون وراثية ، والفترة الانتقالية ونقل السلطة كانت بمجرد محلل سياسي لإعادة إنتاج الدولة العميقة ، وهكذا ومنذ عقود غدت جمهورية شكلاً واليوم كان يراد لها (ثيوقرطية) الملالي عملياً ، ومن هنا فكل الشعارات والمسميات لا وجود لها في الواقع فلا دولة قانون ولا سيادة ولا دستور ولا فصل للسلطات كلها مسميات حق أريد بها باطل ، وقد قدر لشعوب المنطقة خلال عقود مضت والتي رزحت تحت حكم الاستبداد وجمهوريات العسكر أن تعيش كل هذه المسميات والتي غدت مُجرد قيم افتراضية ليس إلا ، فاليوم مطلوب من هذا الشعب المظلل أن يصمد كي ينتصر زعيم الفساد وميلشيا الانقلاب تحت مسمى السيادة ، فأين كان السيادة لأربعة عقود مضت ، ومثلما شن الرئيس السابق حرباً ضد المحافظات الجنوبية كانت تحت مسمى الوحدة التي وأدت بيد صانعيها ، واليوم يدمر اليمن تحت مسمى استقلالية القرار اليمني .
عندما يتلاشئ دور الدولة المفترض لم تعد لهذه القيم من معنى ويصبح العنف والغلبة عوضاً عن الحكمة ويتوارى أرباب الكلمة والحرب والنُخب المثقفة وتظهر دناسة الساسة والمرتزقة في تقديس الحاكم في زعامات وهمية لا تجدها إلا في أبواقهم الإعلامية .. لقد لخص شاعر أندلسي في بيتين من الشعر سوء الأوضاع في العهود الأندلسية الأخيرة لممالك الطوائف المتناحرة بقوله:
وممـا يزهدني فـي أرض أندلـس ….أسمـاء معتمـد فيهـا و معتـضد
أسمـاء مملكـه فـي غير موضعـها….كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
ولأن الشئ بالشئ يذكر فقد قال لي صاحبي مؤخراً متفاخراً وبزهو بأن (الزعيم كان مجهز لهذا اليوم بالسلاح والعِتاد ، ولهذا قوله قد تستمر الحرب 11 سنة ليس مبالغة وهو الواقع ، فأجبته : كيف لزعيم دعمته السعودية وأمريكا لأكثر من ثلث قرن فالأمير سلطان هو من أتى بزعيم الفساد وسلمان يبدو انه من ينهي حياته السياسية .
ثم أن هذا السلاح معظمة ألان يقتل به أبناء اليمن في تعز وسواها قبل العدوان ، ولم يصب السعودية إلا قلة من الصواريخ بعد ستة أشهر من الحرب ، ثم في حال انه كان يعد العدة لحرب طويلة لماذا يفترض سوء النية بأن حرباً ستقع مع السعودية بدلاً من ان يبني اليمن من مستشفيات ومدارس وجامعات ، وبنية تحتية ، في خطة تنموية شاملة من مصانع واستغلال الثروة السمكية والمعدنية وتهيئة أجواء أمنية للسياحة التي قد تدر مليارات ربما أكثر من عائدات النفط كان ذلك خيراً من خروج أكثر من مليونين للغربة في السعودية وسواها!
وأريد أسألك ياصاحبي من تمجد الجلاد . صنعاء العاصمة وعلى سبيل المثال كان فيها جامعة واحدة ولا زالت واحدة أنشئت بتمويل الكويت واستمرت بتمويل كويتي لخمسة عشر عاماً إلى حين وقف الزعيم مع غزو الكويت وآنذاك وقف ذلك الدعم للجامعة ، جامعة صنعاء هي الحكومية الوحيدة في عاصمة بثلاثة ملايين نسمة بينما كانت صنعاء قبل أربعة عقود لا تتجاوز النصف مليون ، الأمر الآخر السلاح من قوة المواطن وحتى شراء السلاح كان بصفقات فيها فساد والجيش معظمه وهمي ومن يحارب اليوم بقايا جيش وميليشيا وأطفال يساقون للحرب مقابل مبالغ زهيدة وتحت الضغوطات الاقتصادية . من جهة ثانية بالنسبة لأنصار صالح السابقين ومعارضيه الحاليين لديهم في مصر وحدها الاف الشقق وكذا في الأردن الذي نُشرت إحصائية لعقارات غير الأردنيين كانت المفاجئة أن عدد من يملكون عقارات في هذا البلد الصغير من اليمنيين يزيدون عن ألف وثلاثمائة أكثرهم خلال الخمس سنوات الماضية وهو الأمر نفسه لملاك عقارات في بيروت ودبي وبلدان خليجية وأوروبا وأمريكا ، بمعنى عدد المسئولين من اليمنيين من اقتنوا عقارات يعدون بالألآف ، وأبناء هؤلاء يحضون بالمنح الدراسية في الخارج ، ويتعالجون أيضا خارج الوطن ، والآف الأسر من أبناء هؤلاء النافذين اليوم خارج هذا الوطن المنكوب بحكامه ، وعلى الشعب أن يصمد لانتصار الزعيم تحت علم السيادة .. بينما سُراق ينتظرون لاقتسام حصتهم من الحكم مجدداً او على الأقل الجيل الثاني من الفاسدين سوا من أبنائهم أو إعادة إنتاج السابقين تحت مسميات أخرى ولسان حالهم (التداول السلمي للفساد)!
الى متى الصمود في معادلة ليست منطقية فالعالم كله لم يعترف بالانقلاب والظاهرة الحوثية غدت هماً وأمن قومي خليجياً .. فطي صفحة الحوثي غدت مسألة وقت ليس إلا فلماذا الصمود ومن اجل من؟
اليمنيون يعانون شظف العيش وحالة وعدم الأمن ولصوص الوطن يناضلون من خارج الحدود ، وهم على الارئك على متكئون .
فلو زعيمك يا صاحبي سلم الحكم وتوارى عن السلطة فعلياً وليس شكلياً لكان زعيماً بالفعل ، فهو لم يسلم سوى خرقة ملفوفة ثلاثية الألوان في حفل كرنفالي بهيج وفي نفس اليوم بداء التأمر على اليد (الأمينة) والذي اعتبرها مجرد محلل سياسي لرئيس من بعدي اسمه احمد ، فلو احترم من انتخبه نفسه وانتخبه الشعب وأحتكم للصندوق لما بقى الرئيس الانتقالي الى اليوم ، ولما كانت الحرب أصلاً ، فهذه الحرب هي نتيجة وليست سبب فهي تحصيل حاصل نتيجة لتناقضات صراع السلطة التي زعيم الفساد محوراً لها.
* كاتب وسياسي يمني