الشعب الجنوبي تأرَّخت في حياته نكبتان أليمتان لا يزال يعاني من وطأتهما عليه إلى يومنا هذا، النكبة الأولى كانت في تاريخ 30/نوفمبر من العام 1967م يوم جلاء الجيش البريطاني من المدينة عدن تحت مسمى يوم الإستقلال، ففي ذلك اليوم إبتهج أبناء عدن بهذه المناسبة وكانوا لايعلمون بأنهم سيندمون على هذا اليوم، وباتوا يحلمون بمستقبل خالٍ من سيطرة الإستعمار لبلدهم ولمقدرات بلدهم وثرواته، ولكنهم صدموا بواقع مرير ومستقبل مُعتم بسبب الغشاوة التي كانت حاضرة حينها.
النكبة الثانية كانت في تاريخ 1990/5/22م يوم التوقيع على الوحدة اليمنية والتي كان قبلها بأيام إتفاقية بيعة أرض وشعب بثمن بخس، ونستطيع أن نسميها خيانة عظمى قام بها أفراد مجرَّدين من الوطنية والإنسانية وأقل ما يمكن أن نطلق عليهم (خونة الجنوب) لا سامحهم الله.
الإختلاف بين المرحلتين أو على الأحرى النكبتين شاسع جداً، فالنكبة الأولى جاءت بعدها مرحلة فيها الكثير من الرجالات الذين يمتلكون روح الوطنية والولاء للوطن، لكن الحرب التي أعلنتها بعض الدول لإفشال مشروع دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أبطأت من دوران عجلة التنمية بالإضافة إلى بعض القصور في خبرة أولئك القادة في المجال التنموي، أما فيما يخص الجوانب الأخرى لا سيما الجانب العسكري فقد ظهرت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بأنها رقم صعب على مستوى الدول المجاورة ودول الإقليم، حتى ظهرت على السطح المؤامرات والدسائس ومنها بدأت الإغتيالات والحروب فيما بين السادة الرفاق حتى العام 1986م، وفي الأربع السنوات الأخيرة قبل قيام الوحدة اليمنية أثبت من كانوا بيدهم زمام أمور البلاد والعباد بأنهم أفشل ساسة عرفهم التاريخ السياسي المعاصر، وعندما عجزوا عن القيام بمهامهم لقلة الخبرة فلم يجدوا بداً من الهرولة نحو الشطر الشمالي ليستجدون ويسترجون تلك العصابة المارقة التي كانت تحكم الجمهورية العربية اليمنية فأبرموا معهم عقداً في بيع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أرضاً وشعباً تحت غطاء إعلان الوحدة اليمنية بالشكل المتفق عليه آنذاك، الوحدة اليمنية مشروع عظيم وكان الشعب الجنوبي ينشده فترة طويلة من الزمن وقامت حروب بين الشطرين لتحقيق هذا الهدف المنشود ولكن شاءت الأقدار أن لا يتم تحقيق هذا الهدف إلّا في ظروف إستثنائية وصعبة، أضف إلى ذلك بأن أحد أطرافها كان مهرولاً للوحدة بسبب عجزه عن إدارة الدولة اما الطرف الآخر كان لديه هدف وهو ضم الفرع إلى الأصل حسب ما يدور في خلدهم من أفكار متخلفة، فهذين السببين الرئيسيين هما اللذين أفشلا هذا المشروع بالإضافة إلى أساليب الإستحواذ والإستملاك اللذين كانت تمارسه عصابة صنعاء، والكثير يعرف حجم الثروات التي يمتلكها الجنوب مقارنة مع الحجم الضئيل لثروات الشمال، فظهرت القشة التي قصمت ظهر البعير وهي حرب العام 1994م التي أعلنتها عصابة صنعاء على الجنوب، وحينها شعر شعب الجنوب بأن النكبة الثانية حان وقتها .
كل أبناء الجنوب يعرفون ماذا حل بهم منذ العام 1994م حتى العام 2011م عام الإنتفاضة الشعبية في شمال اليمن وجنوبه، فتلك الإنتفاضة قلبت الموازين رأساً على عقب وقلبت الطاولة على رأس ديكتاتور اليمن الذي إستمرت فترة حكمه 33 عاماً مارس خلالها أبشع أنواع الفساد والسلب والنهب والتهميش، ولكن القائد المغوار الذي كسر شوكة هذا الديكتاتور ووقف أمامه الند بالند سيكون هو المنقذ بمشيئة الله للشعب الجنوبي خاصة واليمني عامة مع عدم إمتلاكه مقومات النصر ولكن الغلبة ستكون للقائد المغوار، والأيام القادمة ستكون كفيلة بإثبات صحة كلامي من عدمه .. وللتاريخ بقية .
علي هيثم الميسري