لن أبدأ بمرثية هذه المرة ، فالبشارة اليوم رغم الحزن والقهر تؤجل الرثاء ، وهذا الدم لم يشرّع نفسه في مواجهة السيف لكي يكون مادة للرثاء ، بل فعل ذلك لكي يكون مشروع تحد وإرادة وانتصار .. لم يذهب الشهيد أمين الرجوي إلى فاشية الحوافيش كي يجعل دمه عنوان انتصار لهم ، بل فعل ذلك ليجعل منه عنوانا لإنتصار الدم على السيف ، وسلماً للصعود وإلحاق الهزيمة بإرادة الإنقلابيين .. لابد من تكريس هذا المفهوم في سياق الإحتفال بمرور عام على استشهاد القائد البطل الذي ماهزمه السجن ، ولا كسر إرادته السجان ، ولا فلّت عزيمته أساليب العذاب في سجن الفاشية .. لطالما كان الشهيد شوكة دامية في حلوقهم ، هاهو دمه يكرّس المسار ويدفع إلى المزيد من الصمود والتحدي .! من هنا فإن سؤال الهزيمة والإنتصار يجب أن يبقى مركزاً عما إذا كانت هذه الجرائم نجحت في تحقيق الإنقلاب أم لا ؟!! وهنا نعلن إيماننا الأكيد بأنها لم ولن تنجح إلا في تأجيج مشاعر الرفض والتحدي وإنجاب المزيد من الأبطال .. (عفاش وعمبلك) كلاً يداري عجزه على حده ، وهزيمته في مواجهة شعب بطل أقوى من إرادة الإذلال ، لكن هزيمتهم ستكون محققة عاجلاً أم آجلاً ، مادام الدم يزهر الرجال ، ومادام الرجال والدم في متوالية لن تنتهي إلا بكنس جحافل الحوافيش من كل شبر في هذا البلد .. لن نرثيك أيها البطل الكبير بل سنحمل رسالة دمك إلى أن نلقى الله .. أيها الشهيد .. سكونك حركة أمة ، وموتك حياة ضمائر ، وشهادتك مهرجان إيمان ، ومحفل يضم كل الأحرار ، فأية قوة جعلتك تتسلل إلى قلوب هؤلاء لتستقر فيها ؟!! أيها البطل .. شهادتك لوحة فريدة ، ولها مذاق فريد ، مذاقها قهرٌ يمرّ بالصبر في طريقه إلى النصر ، مذاقها قوة تُخلق من ثنايا الضعف ، وأمل ينبجس من أعماق اليأس ، وحياة تخرج من رحم الموت .. شهادتك إعلان على الملأ أنك تشهد أن دين الله أهل لأن تقدّم له الدماء .. فأي حرف مسكين يتجرأ ليكون رثاء لك يا أسد الشهداء ؟ وأي ورد يحق له أن يستر جرحك الطاهر المعطر ؟ وأي لون مداد يزهوا على لون مدادك الأحمر ؟ سلامٌ عليك وعهداً لن تخذلك إب ، ولن تخذلك اليمن ، ولن تخذلك الجماهير التي أحبتك وعشقت بطولتك وشجاعتك . سلامٌ عليك وهنيئاً لك الشهادة الرائعة التي طالما اشتقت إليها ، خاتمة لرحلة عطاء بلا حدود ستكون درساً للأجيال بعدك إلى يوم الدين . سلامٌ عليك يوم ولدت ، ويوم استشهدت ، ويوم تبعث حيا .