.................
إنذهل كثير من الناس حول العالم بالأحداث المتسارعة اّلتي شهدتها اليمن
منذ بداية الحرب في دماج و حوث و كتاف مرورا بعمران و وصولا الى صنعاء
و رداع و اب و تعز و عدن وغيرها، و لكي نفهم ما حدث فسنحاول اولا ان نجيب
على التساؤلات التالية:-
اين تقف واشنطن من الاحداث الاخيرة في اليمن؟
و هل يعقل ان تقف متفرجة فقط في وضع معقد كهذا و في بلد تصنفه هيَ حاليا كواحد من اخطر البلدان على امنها القومي في العالم نتيجةً لتواجد اخطر
فروع عدوها اللدود فيه و المتمثل في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية؟
لماذا كان الحوثي انتقائيا في مهاجمة خصومه حتى انه هاجم خصوما لم
يحدث بينه و بينهم اي تماس حقيقي سابق بينما ترك خصوما بينه و بينهم
دماء و ثارات و عِداء شديد؟
يعرف المحللون السياسيون المتابعون للسياسة الامريكية في اليمن ان اليمن بالنسبة للأمريكان ما هي إلّا ملف امني بإمتياز، و ذلك الملف محصور بالقاعدة و أخواتها،
كما اننا جميعا نعرف مدى كراهية معظم دول الاقليم لجماعة
الاخوان المسلمين كجماعة تسعى الى تغيير انظمة الحكم من و جهة
نظر تلك الدول و الحقيقتان السابقتان ستفسران لنا كثيرا مما حدث.
معظم التفاصيل اّلتي نبحث عنها موجودة في ادراج مكتب المهندس الخفي
للأحداث الاخيرة في اليمن ، الامريكي جون برينان ، مدير وكالة المخابرات
المركزية الامريكية (CIA) حاليا و اّلذي كان قد عمل سابقا كمدير لفرع
الوكالة في المملكة العربية السعودية من 1996 الى 1999 و كنتيجة لذلك
فان لديه فهما جيدا للمنطقة و للإسلام و طوائفه كما انه يتحدث اللغة العربية بشكل جيد.
عمل برينان مستشارا للرئيس اوباما لشؤون الامن القومي و مكافحة الارهاب
الى مارس 2013 و كان ملف اليمن من اهم الملفات الموكلة اليه.
تولى بعد ذلك منصبه الحالي كمدير لوكالة المخابرات المركزية (CIA)
و هو احد أبرز مؤيدي استراتيجية " لا قوات على الارض No troops on the ground
المتبناة حاليا من قبل البيت الابيض كبديل للتدخل العسكري المباشر اللذي كلف واشنطن كثيرا في حربها على ما تسميه بالإرهاب في افغانستان و العراق.
تقضي هذه الاستراتيجية بإيجاد وكلاء حروب لواشنطن على الارض تقوم هي بمساندتهم عسكريا بضربات جويه بالإضافة الى دعمهم لوجستيا و ماليا و سياسيا في حال إقتضى الامر ذلك.
التقى جون برينان بالرئيس هادي في اليمن مرتين على الاقل و أجرى اتصالات
هاتفية عديده معه منذ توليه الرئاسة بحسب تصريح لبرينان نفسه في مؤتمر صحفي حول اليمن في مجلس العلاقات الخارجية و يعتبر ذلك مؤشرا واضحا على مدى قوة مشاركة برينان في اتخاذ القرارات إن لم يكن إملاءها.
توصل فريق الامن القومي و مكافحة الارهاب برئاسة برينان الى ان محاربة
"الارهاب" في اليمن لا تسير بشكل مرضي و انه لا بد من ايجاد وكيل صارم
للقيام بهذا الدور حيث لم يقتنع الامريكان كثيرا بأداء هادي واجهزته في محاربة "الارهاب" (خصوصا في المحافظات الشمالية) رغم اعتقادهم بانه اكثر اخلاصا
من صالح اللذي يعتقد الامريكان انه لم يكن يحارب القاعدة بجدية و انه كان يبتز واشنطن بحربه على الإرهاب ليس إلّا ، و قد ترسخت تلك القناعة عن صالح لدى واشنطن بعد حادثة هروب 23 سجينا منتميا الى تنظيم القاعدة من سجن الامن السياسي بصنعاء و اللذين كان من ضمنهم ناصر الوحيشي و قاسم الريميالّذان اصبحا أهم قياديان في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة ، بالإضافة الى استياء الامريكان من رعاية صالح لجامعة الايمان اللتي تعتبرها واشنطن من اهم فقاسات الارهاب في اليمن و تعتبر رئيسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني
ابا روحيا لتنظيم القاعدة ، و قد عبر الامريكان في اكثر من مناسبة عن استيائهم من تحالف صالح السياسي مع الشيخ الزنداني و حمايته له رغم كونه مطلوبا امريكيا و دوليا
منذ عام 2004.
و جدير بالذكر هنا فيما يتعلق بالشيخ الزنداني و جامعته ان صالح لم يكن يدافع
عنهما بدافع الواجب او الوطنية و انما لمعرفته بمقدار الاضطراب السياسي
اللذي كان يمكن ان ينجم عن تعرض شخصية بحجم الشيخ الزنداني لأي اذى
من اي جهة كانت.
اقتنع الرئيس اوباما برأي برينان و فريقه و هو ان الدولة اليمنية و كل القوى
الموجودة على الساحة السياسية اليمنية و لإسباب قبلية و ايديولوجية لن تكون جادة و مؤثرة بشكل كافٍ في محاربة القاعدة و غيرها من "المتشددينالاسلاميين" كجناح الاخوان العسكري و القبلي بالإضافة الى الشيخ الزنداني
الّذي كان مع جامعته هدفا رئيسيا للأحداث الاخيرة الموجَّهة امريكيا ، و عليهفلا بد من ايجاد وكيل حرب على الارض ذو ايديولوجيا مٌضادة بشدة للقاعدةو التطرف السني و هذه المواصفات لا توجد الا في مكون واحد هو وحده منيمكن ان يقوم بالمهمة "بصدق" خصوصا و ان مؤسسة الرئاسة مستعدة للتعاون بكل الطرق الممكنة لتسهيل عمل ذلك الوكيل و ذلك الوكيل او المكون هو جماعة الحوثي الّتي تُعجب الامريكان في انها لا تتعايش مع القاعدة ابدا اينما حلّت، بالإضافة الى عدم استهدافها لواشنطن او اي من مصالحها بشكل عمليٍ على
الرغم من الشعارات الّتي ترددها الجماعة و تدرك واشنطن انها مجرد شعاراتللمزايدة و الاستهلاك السياسي فقط.
كان الهدف إذاً من كل ما سبق هو القضاء على القاعدة و الاخوان او مجموعة منهم على الأقل
و كان الشيخ الزنداني الّذي تصنّفه واشنطن كأب رو حي و حاضن للقاعدة ، و يُصنّف كرقم اخواني صعب عند بعض دول الاقليم ، هو و جامعته هدفا رئيسيا اقليميا و امريكيا للحملة الهادفة إلى إقتحام صنعاء، و لكي تستطيع يد ذلك الوكيل الوصول الى جامعة الايمان و رئيسها فلابد من ازالة الجنرال محسن و فرقته قبل ذلك، ولإزالة الجنرال ، لا بد من ازالة ذراعه الايمن اللواء حميد القشيبي و حليفه القوي ماليا و قبليا الشيخ حميد الاحمر و قد ذكر جون برينان حميد الاحمر و الجنرال محسن بالاسم في المؤتمر السالف الذكر و الّذي عقد في اغسطس 2012 بالإضافة الى صالح و ابنه احمد ملمحا الى انهم هم اربعتهم معرقلي عملية التسوية السياسية في اليمن و على الارجح فإن ذكر صالح و ابنه كان فقط من باب ذر الرماد على العيون بينما كان المستهدفان الرئيسيان هما الشيخ حميد الاحمر و الجنرال محسن اللذان يعتبران داعمان رئيسيان للقوى الاسلامية المتشددة اّلتي تعمل واشنطن على تجفيف منابعها المالية و الروحية منذُ زمن بعيد من خلال اجراءات عديدة منها الرقابة المالية الصارمة على التحويلات المالية الى اليمن و من خلال توجيه الحكومة اليمنية بتعسير اجراءات السفر على المواطنين الامريكيين خصوصاً و الغربيين عموماً الى اليمن بفرض فيزا يتوجَّب عليهم الحصول عليها من السفارات اليمنية في بلدانهم قبل التوجه الى اليمن بعد ان كانت الفيزا تمنح لهم مباشرة لدى و صولهم الى مطار صنعاء او غيره من المنافذ اليمنية الاخرى.
يُلاحظ ايضاً ان واشنطن كانت ولازالت تمارس الضغط على الجهات الرسمية اليمنية لترحيل الطلاب الاجانب الّذين يدرسون في المراكز السلفية في اليمن و ذلك في اطار توجه أميركياقليمي للقضاء التام على كل مراكز التعليم الديني السُنِّي و الجمعيات الخيرية بل و حتى الاحزاب السياسية ذات الاتجاهات الدينية الّتي تعتبرها واشنطن واجهات للإرهاب لا يمكن ان يُسمح باستمرارها مهما كان الثمن ، وما كان استهداف الشيخ الحميقاني و الاشارة الى حزبه السياسي-الرشاد- في نص قرار عقوبات وزارة الخزانة الامريكية ضده الا مثالا على تصميم واشنطن على مشروعها في المنطقة العربية عموما و في اليمن على وجه الخصوص ، كما ان قرار العقوبات المالية على النعيمي و الحميقاني كان تمهيدا استراتيجيا لإضعاف القاعدة ماليا من اجل تسهيل استهداف البيضاء و اب اّلذي شهدناه في الفترة الماضية على ايدي جماعة الحوثي عقب دخولهم صنعاء.
بشيرالفقيه
Basheer Ahmed Alfakeeh