عارف أبوحاتم
التقارب الأميركي الحوثي الذي شهدته الكويت هذا الأسبوع لم يكن حالته استثنائية جديدة، يمكن البناء عليها، بل هو انكشاف علني لمشروع سري يجري التحضير له منذ عقدين على الأقل.
سبق للعاصمة مسقط أن استضافت جلسات سرية مطولة بين الأميركان والحوثيين، وقبلها بيروت، وكان لجنيف حصتها من الغزل العذري بين الميليشيا والإدارة الأميركية في يونيو 2015.. وكلها حالات تذهب بنا باتجاه اجباري هو: إلى أين تقودنا أميركا عبر عملائها ووكلائها في المنقطة، وهل تخلت أميركا عن قيمها العظيمة لصالح بقاء اليد الإيرانية العابثة؟.
في جلسة الاثنين الماضي قال وكيل الخارجية الأميركية للشؤون السياسية «توماس شانون» إن صبر المجتمع الدولي بدأ بالنفاد وأنهم في موقف محرج من سلوك الميليشيا الحوثية التي لم تضع حداً لسلوكها الإرهابي وهذا وضعهم في موقف سيء إذ كيف يمكن الدفاع عنهم ودعمهم سراً وجهراً إذا كان سلوكهم الدموي لم يتوقف، فهم جماعة انقلابية إرهابية لم تدع في اليمن حجر على حجر إلا وفجرتها، وقبل ذلك انقلبوا على شرعية توافقية معترف بها من قبل كل المجتمع الدولي، وجاءوا إلى الكويت لشرعنة انقلابهم عبر الدخول في شراكة حقيقية مع الحكومة الشرعية.
إزاء الوضع الخانق والمزعج الذي قدمه «شانون» لم يكن أمام الحوثيين إلا المراوغة واستخدام «التقية الإيرانية» في النقاش، وقدموا اعتذاراً كاملاً عن الشعار الممجوج «الموت لأميركا».. لأنهم متخصصون في قتل وقتال اليمنيين فقط.
وقال حمزة الحوثي القيادي في الميليشيا أنهم على استعداد لتسليم السلاح عربون صداقة مع الأميركان.. الأمر ليس كذلك فهم ربائب أميركا، وهي الداعم السري لهم منذ بداية التأسيس، ومنذ أن كانت تمنح الحرس الجمهوري أسلحة متطورة وتأخذ من الرئيس السابق تعهد خطي ألا يستخدمه ضد الحوثيين، وقد اعترف صالح والسفير الأميركي السابق فايرستاين بهذا التعهد!.
الأميركان شعروا في البداية أنهم قادرون على فعل ما يريدون في خاصرة الخليج الجنوبية وأدركوا باكراً أن ضرورة تأسيس هذا المشروع الشيعي المسلح ستكلفهم الكثير وستدفعهم إلى خسارة حلفائهم الخليجيين لكنهم سيظلون قادرين على منحهم التطمينات والتعهدات بأنهم مسؤولون عن حماية حلفائهم.. حتى جاءت إدارة الملك سلمان شاهرة سيف القوة، وايقظت معها صحوة خليجية على الأقل على المستوى الشعبي، وأدركت أن اليمن ستكون مسرح عمليات اليوم، ومنصة انطلاق غدا لعمل مسلح سيباغت المملكة والخليج في الوقت المناسب.
اليقظة السعودية وثباتها كانت سبباً هاماً في صمود الوفد الحكومي اليمني في مشاورات الكويت، رغم سلسلة ضغوط هائلة تعرض لها الوفد الحكومي من سفراء غربيين، فالسعودية أدركت بوضوح الخندق الشيعي المسلح الذي يحيط بالمملكة من العراق والبحرين واليمن، وبموازاة ذلك كانت القيادة اليمنية تعرف أن مشاورات الكويت لم يكن غرضها حل الأزمة بقدر ما هو منح الانقلاب شرعية بأي صيغة كانت.
عوّل الحوثيون على ضغط أممي سيحمله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في زيارته للكويت، لكنها كانت زيارة عابرة ألقى فيها كلمة حث فيها الطرفان على التنازل لصالح اليمن.. ولعل لبيان الوفد الحكومي الذي أعقب إحاطة ولد الشيخ لمجلس الأمن دور في تخفيف حدة ما كان «كي مون» يود طرحه، فالمبعوث الأممي ولد الشيخ استبق زيارة الأمين العام بإحاطة سوّق فيها لترتيبات أمنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو مبتغى الحركة الحوثية، إلا أن الوفد الحكومي نفى كل ذلك، ووضع حقيقة المشاورات على طاولة الأمين العام، ما جعله يخفف من حدة ضغوطه.
بحركة دؤوبة يواصل الحوثيون في الكويت التقرب من السفراء الغربيين مستفيدين من أم روحية لهم هي سفيرة الاتحاد الأوروبي في اليمن باتينا موشايت ويعرضون بضاعتهم المدنية على الغرب، لكن سلوك ميليشياتهم في الداخل لا يسعفهم، فكل يوم جريمة وأكثر لا يمكن السكوت عليها.